تفنيد الدول الأكثر تأثيراً على يد القدرة الاقتصادية والنسيج الاجتماعي والثقل العسكري يتمثل بشكل واضح في اختزال دائرة "الأقوى" عالمياً إلى بوتقة تضم دولتين عملاقتين هما الولايات المتحدة الأميركية وروسيا الاتحادية. يصنع التاريخ مجراه بحيث تشغل هاتان الركيزتان ركنَيْ الرصيف المطروق بالمناقشة حين يتعلق الأمر بقوة التأثير والأثر الجيوسياسي حول العالم. دعونا نتعمّق في دراسة سمات هذين العملاقين لتحديد المؤشرات التي تدفع بها نحو واجهة الصفوف الأولى ضمن الترتيب الدولي لمن يحظون بالمهيبة والتسلُّط العالمي الواضح.
?? الولايات المتحدة الأميركية - الاقتصاد والديمقراطية والقوة النافذة
تشهد بانوراما المشهد الأمريكي مشهداً مؤلفاً لخيوط متنوعة ومتداخلة تساهم في ترسيم هويتها باعتبارها أولى البلدان قوةً في منظومة النظام العالمي المعاصر. تتجلَّى هذه الصورة المركِّبة عبر ثلاثة محاور رئيسية تبدو بتلك البراعة المتناسقة فيما بينها مما يعطي صورة واضحة عن طبيعة ذلك الزخم الغربي الهائل:
* 'القوة الاقتصادية: تعد أمريكا الموقع المثالي لمقر السلطة المالية العالمية بلا منازع لما تمتلكه من معدل نمو مرتفع للغاية فضلاً عن سوق داخلي نابض بالحياة يستقطب المستثمرين من كافة أصقاع الأرض؛ إذ يشكل الناتج المحلي الإجمالي لها واحداً من أعلى معدلات الإنتاج العالمي لوحدها، حيث وصل لــ١٤٫٣ تريليون دولار بحلول العام ٢٠٠٨ وهو رقم يعد دليلاً دامغاً على تأثير اقتصادها المدوي بالعالم.
* 'التنوع الثقافي': تمتلئ أرض الحرية بالأصوات الغريبة والحكايات المنوعة نتيجة لقرار فتح أبواب الهجرة أمام جمهرة مهولة من مختلف جنسيات الناس الذين حملوا أحلامهم إليها خلال فترات مختلفة خلال القرن الماضي وما بعده مباشرة، وهذا الأمر جعل منها قطباً جاذبًا للأدمغة والكفاءات البشرية والتي بدورها أسهمت بشكل كبير بإثراء الحياة العلمية والفكرية داخل البلاد وخارج حدودها أيضًا. ولا شك أنه عندما تقترن الإنسانية بالتقدم الرأسمالي فإن الفرصة سانحة للحصول على مكان ضمن مصاف المنافسة الشرسة!
* 'الثقل العسكري':' تعتبر المؤسسة العسكرية الأمريكية رمز للسلاح الفتاك حيث تحتل المرتبة الأعلى فيما يتعلق بالقيمة التسليحية بكل أنواع الطرازات القديمة والحديثة سواء أكانت عبارة عن جنود مشاة أو قطع بحرية متقدمة الآليات أو حتى أسراب الطيران المقاتلة المهيمنة بسماء نصف الكرة الشرقي، ليس هذا وحسب بل إن امتداد نفوذ القوات الجوية والبحرية ممتد ليغطي مناطق واسعة تمركز فيها بعض الوكلاء والخلائف لنشر المزيد من الانكماش التجاري والاستخباراتي المستقر فوق هياكل سيادة العديد غيرها. وعندما يضع المجلس إدارة وزارة الدفاع موازنتها السنوية المعددة لكميات تفوق الثلاثمئة مليار دولار -وهو مبلغ يفوق بكثير نفقاتها العسكرية القارية مجتمعتين– فأنه بذلك يؤكد على اعتباره الجانب التشغيلي جزء أساسياً لجناح الشعوذة التكتيكية لصياغة السياسة الدولية وفق المصالح الخاصة دون اعتبار لأبعاد أخرى.
هذه الجزئية الصغيرة تعكس فعالية نظام حكم يقوده منتخب شعبي بصورة دورية دوريين تسمح للتغيير التدريجي وليس الثوري، بالإضافة لاستمرار مشاركة المواطن الأمريكي ذاته بطريقة مستمرة نشاطاته اليومية منتظرًا اللحظة الأنسب للإدلاء برأيه والتأكيد عليه أثناء عملية الانتخاب، وهذه حقائق تبقى شاهدة على توازن السلطات الراسخ منذ القدم والذي يسعى لإدارة المجتمع بثبات بدون انفتاح مفتوح للشأن الداخلي خاصة بما يكشف التفاصيل الحساسة خلفياته الداخلية المُعتمدة عليها لتحقيق الاستقرار الظاهر لدى الجميع رغم اختلاف طبائع الأنظمة الحكومية عنه اعتماداً على قدراته الذاتية الواضحة تجاه قبول الاختلاف وممارسته.
###?? روسيا البيضاء – الثروات الخام والمتانة البطولية
مع تقدم الروسي نحو الشرق بخطوات ثابتة باتجاه توسيع رقعة نفوذها غربًا وإلى الجنوب أيضًا، يبدو أنها تستطيع سد الفراغات الموجودة خلفهما تاركة مجال محدود أمام الآخرين للاستثمار فيه بينما تعمل جهارة وصراحة بتطوير القدرات
