البتراء، التي تعرف أيضًا باسم "مدينة الحجر"، هي واحدة من أكثر المواقع الأثرية شهرة في العالم. هذه المدينة الرومانية القديمة الواقعة في جنوب الأردن ليست فقط مثالاً بارزاً للعمارة العربية الفينيقية، ولكنها أيضا شهادة على الدقة والقوة الهندسية للحضارات القديمة. تم بناؤها بين القرنين الثاني والتاسع قبل الميلاد بواسطة النبطيين، وهي تعد اليوم موقع تراث عالمي لليونسكو، مما يعكس قيمتها الثقافية والفريدة.
يعود تاريخ البدء بتأسيس البتراء إلى حوالي العام 312 قبل الميلاد عندما بدأ الملك العرب النبطي آريثوس في تطوير المنطقة كموقع استراتيجي للتجارة. يتميز موقع المدينة بشكل خاص بموقعه الجغرافي داخل وادي فريد محمي بجبال عالية تسمى سلسلة الجبل الشاهق. هذا الموقع الطبيعي جعل من الصعب الوصول إليه إلا عبر طريق ضيق معروف باسم "السيدر"، وهو ما ساعد في حماية المدينة ضد الغزو.
عملية بناء البتراء كانت معقدة ومفصلة للغاية. أول خطوات البناء تتضمن تحضير الأرض والإعداد الهيكلي للمدينة باستخدام مواد محلية مثل الحجر الرملي الأحمر الصلب الذي يوفر تفرد اللون الخاص بالبتراء. كان المهندسون المعماريون والحرفيون المحليون يستخدمون تقنيات متطورة لإزالة الطوب المصنوع من الحجر الرملي بطريقة دقيقة ومنظمة لاستخراج المساحات الداخلية والخارجية للمباني والمقابر والفيلات المختلفة.
تم تشكيل العديد من المعالم الأكثر أهمية في البتراء بواسطة عملية تسمى تخريم الحجر، والتي تنطوي على إزالة الطبقات الخارجية للأحجار لتكوين أشكال هندسية معقدة. ربما أشهر هذه الأعمال هو الخزان الكبير ("المسرح") الذي يمكنه احتواء ما يقارب 45,000 شخص، بالإضافة إلى القصر الأسود ذو الزخارف الرائعة والدقيقة.
لم تكن حياة سكان البتراء سهلة؛ فقد كانوا يحتاجون إلى المياه باستمرار بسبب الظروف المناخية القاسية في المنطقة. لذلك، قاموا ببناء نظام صرف مياه متطور يسمى "الخور" والذي يجمع الأمطار ويوجهها نحو المدينة. كما تم حفر الآبار واستخدام شبكة من الأنفاق تحت الأرض لنقل المياه إلى مختلف المناطق السكنية والصناعية.
مع مرور الوقت، تعرض البتراء لهجمات عديدة وأصبحت مهجورة جزئياً خلال القرن الخامس عشر بعد انتشار الإسلام وانتشار طرق التجارة البحرية الجديدة التي حولت مسار حركة التجارة العالمية. ومع ذلك، فإن جمال وبراعة تصميماتها الهندسية أبقت عليها كرمز مهم من التاريخ العالمي حتى يومنا هذا.