أخدود ماريانا هو أحد أشهر الأودية الجغرافية على وجه الأرض، ولكن عندما نذكر "الأخدود" في سياق قصة أصحاب الأخدود المسجلة في القرآن الكريم، فإننا نتحدث عن موقع مختلف تمامًا. يقع هذا الأخدود في منطقة جنوب نجران، تحديدًا بالقرب من قرية تحمل اسم مشابه، والتي تبعد حوالي 25 كيلومتر عن مركز المدينة. تُعتبر المنطقة ذات أهمية تاريخية كبيرة نظرًا لما تم اكتشافه خلال الحفريات القديمة - مثل الأدوات الفخارية والديكورات الشخصية والنقوش الكتابية - مما يشهد على تنوّع الحياة الثقافية والتطور المبكر لهذه المنطقة.
هذه المنطقة ليست فقط مرتبطة بتلك الحدث المؤسفة المشيرة إليها في القصة القرآنيّة, وإنما أيضا لعبت دورا محورياً ضمن سلسلة الأحداث المرتبطة بصعود وتراجع سلطة ممالك حمير القديم. كانت هناك العديد من المحافظات العربية الصغيرة تحت سيادة ملك حميري يُدعَى ذو نواس قبل ظهور الإسلام; لكن حقبتها الأكثر شهرة تعود لتلك اللحظات المأساوية المعروفة باسم "مجزرة شعب نجران". وفقا للتقاليد الإسلامية والمصادر التقليدية، فقد قامت السلطات بحملة إبادة ضد السكان المدنيين الذين اختاروا اعتناق المسيحية، واستخدمت وسائل بشعة لإخماد روح مقاومتهم. ومن بين الطرق الوحشية المستخدمة، كانوا يحرقون الضحايا أحياء داخل أخاديد عميقة محفورة خصيصاً لذلك الغرض.
وبعد انتشار رسالة الإسلام وانتشار دعوة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وجد سكان نجران وغيرهم ممن يعيشون حول المنطقة نفسهم أمام خيار واضح: قبول الدين الجديد باعتباره الطريق الأمثل للحياة الروحية والإرشادية النهائية، دفع جزية مقابل حرية الاعتقاد, أو المواجهة العسكرية. ومع مرور الزمن، شهدت تلك المناطق تحولا عظيما باتجاه التعايش السلمي والمعرفة الجديدة المنبثقة عن الدعوة الربانية الواسعة الانتشار وقتذاك. وبذلك أصبح مشهد العقيدة الدينية متعدد الأوجه بشكل لم يكن موجودا سابقا, وانتهى الأمر بأن تكون هويتهم الدينية أكثر تنظيماً عبر التأثير الكبير للإسلام عليهم وعلى مناطق أخرى مجاورة. وهذا التحول الذي قادته الوحدات الرئيسية الثلاثة للدولة الحديثة- الحكم والإدارة والقضاء– جعل من دولة العرب الموحدة دولة مشهود لها بالاعتراف الدولي المستمر منذ القرن السابع الميلادي وما بعدها حتى يومنا هذا.