تقع جمهورية البوسنة والهرسك في القسم الجنوبي الشرقي لأوروبا ضمن المنطقة المعروفة باسم شبه جزيرة البلقان، والتي تعد مركزا للتاريخ والثقافة والتنوع البيئي في القارة. تتميز هذه الجمهورية بطبيعتها الجغرافية المتنوعة؛ إذ تشغل البوسنيا الجزء الشمالي الغربي منها، بينما تغطي الهيرسك المناطق الأكثر دفئاً نحو الجنوب. الحدود البرية للبوسنة تعكس تنوعها الإثني الكبير، حيث تشارك الحدود مع عدة دول مجاورة مثل كرواتيا وصربيا والجبل الأسود. ويبلغ طول ساحل البلاد القصير حوالي ٢٦ كم فقط عند خليج نيكشيتش المحصور بين سلسلة جبلية شاهقة وبحر الأدرياتيكي الفيروزي.
إن الموقع الفريد للبوسنة له تأثير عميق على طابعها المناخي أيضًا. فالجزء الأكبر من البلاد يشهد مناخا قاريّا ملائما لكل الفصول، ولكنه أكثر برودة وشراسة خلال الأشهر الشتوية بسبب تساقط الثلوج بكثافة هناك. وعلى الضفة الأخرى -أيضا داخل حدود البوسنة نفسها ولكن بجوار البحر الأدرياتيكي مباشرة- يوجد جزء يسمى "الهيرسك" يتمتع بمناخ متوسطي دافئ نسبياً حتى أثناء أشهر الشتاء ويعتريها غالبًا أمطار خفيفة ورطوبة عالية. لكن عندما يأتي الصيف هنا ترتفع درجات الحرارة وتصبح الرطوبة أقل قليلاً نتيجة لاستقبال رياح بحرية منعشة قادمة من البحر نفسه.
هذه البيئة الجغرافية النابضة بالحياة والمعقدة أثرت بدورها على تكوين المجتمع بوسني متعدد الأعراق والأديان والإثنيات الرئيسيون هم المسلمين والمسلمون العرب الذين يعرفون محليا باسم "البشناق"، والسلاف الجنوبيين المؤيدين للأرثوذكسية الشرقيّة ("الصرب") وأتباع الطائفة الرومانية الكاثوليكية ("الكروات"). وقد ترك التاريخ العنيف لهذه الأرض بصمة واضحة على نظام الحكم الحالي علاوةً على التعايش الاجتماعي اليومي لسكان مختلف مناطق البوسنة المختلفة رغم الجهود المبذولة لإرساء السلام والاستقرار فيها عقب عقود من الصراع الطويل الأمد والذي انتهى رسميًا عام ١٩٩٥ بإعلان اتفاق دايتون الشهير.
ويعد الوضع السياسي والاقتصادي أمرًا حيويًا لتحديد مصير البلد كما هو حال معظم الدول الصغيرة المنفصلة حديثًا حول العالم. فقد شهدت سنوات ما بعد انفصال يوغوسلافيا القديمة ضموراً كاملاً لدولة ذات قاعدة اقتصادية كانت قائمة أساسها على التجارة الداخلية عبر شبكة واسعة من المصانع والشركات العامة المسؤولة عنها السلطة المركزية المركزية آنذاك . ومع تهالك نظام القديم وتحوله إلى مجرد ذكرى مرعبة بالنسبة للغالبية العظمى للسكان المحليين، اضطرت الحكومات المتلاحقة لتصحيح الانحرافات الخطيرة الناجمة عن سقوط النظام البلوشي واستبداله بنظام رأسمالي جديد حاولوا تطويره وفق رؤاهم الخاصة بهم. إلا أن آثار الدمار الناجم عن أعمال القتال الدموية ظلت تلقي بظلالها الثقيلة لفترة طويلة بما يكفي لرؤية بوادر التحول الواضح نحو النهوض مرة أخرى بخطوات ثابتة وسريعة باتجاه تحقيق اكتفاء ذاتي اقتصادي حقيقي مستقبلاً مبتغيًا بذلك التخلص النهائي من حاجته الملحة للاستيراد من الخارج بل وحتى البدء بتصدير بعض منتجاته الزراعية وغير الغذائية أيضاً لعلهم يستعيدون مكانتهم التجارية العالمية فيما لو نجح المثابرون منهم في تجاوز العقبات الاجتماعية والبنيوية العديدة المطروحة أمام طريق نهضاتهم المحلية تلك.