تُعد قصة شعب الأبورجينيز جزءًا حيويًا من التاريخ الأسترالي، وهو المجتمع الذي سبق المستوطنة الأوروبية للأراضي الأسترالية وازدهر لأكثر من خمسين ألف سنة. يُمثل هؤلاء الأشخاص، الذين يعرفون أيضاً باسم "السكان الأصليين"، أكثر من ٢٫٤٪ من مجموع السكان الحاليين، ويتمتع كل فرد منهم بتاريخ وثقافة فريدة خاصة بهم.
قبل ظهور الحضور الأوروبي، كانت هناك العديد من اللغات المختلفة تعكس تنوع ثقافتهم الغني؛ فحتى وقت استعمار بريطانيا، كان هناك أكثر من مئتين وخمسين لغة تستخدم داخل هذه المجتمعات. ومع مرور الوقت، تضاءلت هذه الأعراف اللغوية حتى لم يتبق سوى حوالي ١٥ فقط. وعلى الرغم من كون اللغة الإنجليزية اليوم اللغة الرسمية لبلاد "كومنولث" أستراليا، فإن أغلبية الـ ۹۶,۵٪ الباقية من السكان تتبع نظام التربية اللغوية الذي ورثوه عبر القرون.
على الرغم من تحديات الماضي، فقد شهدت السنوات الأخيرة تطورات ملحوظة في معدلات التحصيل العلمي لدى شباب الأبورجينيز عقب سن تشريع جديد في العام ۱۹۹۴. وبينما ظلت نسب التسرب الأكاديمي عالية سابقاً بسبب العقبات البيروقراطية والتجهيزات التدريسية غير المناسبة وغيرها الكثير، إلا أنه بات الآن بإمكان الطلاب المحليين الوصول لما يقارب نفس فرص التعليم المقدَّر للآخرين. وهذه خطوة كبيرة نحو معالجة الفوارق الاجتماعية والمادية بين المجموعتين الرئيسيتين للسكان: الأصليون والأوروبيون-الأوستراليون.
تتمثل إحدى أهم مظاهر تراث الشعب الأصلي في أساطيره القديمة والتي تسمى غالبًا بـ "الطرق الأم". تعتبر القصص القديمة وسيلة هامة للحفاظ على الروابط التقليدية وعبر عنها بطريقة شفهية تُظهر تفاصيل الحياة اليومية والمعتقدات الدينية وما هو أبعد بكثير منهما. ولكن نظرًا لأن العديد منها نقلته أفراد مختلفة ضمن نطاق حضاري واسعة الانتشار ومتفرقة جغرافياً، فقد حدث بعض الاختلافات الطفيفة بناءً على الموقع ونسب الأقاويل الشخصية الواحدة منها للأخرى. وذلك يؤكد الجانب الإنساني لهذه الأنواع الكتابية ويظهر مدى شموليتها رغم محدوديتها النوعية نسبيًا.
تجسد القصص المحلية الخلفية الطبيعية النابضة بالحركة للقارة ذات البيئات الزمانية المكانية العديدة - بدءًا بجبال روكي المهيبة في جنوب شرق البلاد وانتهاء بغاباتها المطيرة اليابسة شمال غرب الجزيرة الرئيسية واستوائها الجميلة جنباً إلى جنب ببحر كورال المرجاني الكبير تحت الماء... لقد تم تناقل تلك التفاصيل عبر الأجيال باستخدام اللغة والثقافة كمفاتيح لفهم عالمهم الخاص ومازال يعمل كنظام انتقال معرفتي للأطفال حديثي الولادة حتي يومنا هذا! كما يمكن اعتبارها رمزًا للعلاقة الوثيقة القائمة بين الإنسان والبنية التحتية الطبيعية للمنطقة – فهي تخلق رابط سامي تجمع بين حاضر ومستقبلهم المنشود بتفاعله مع ماضيهم القديم المشوب بالغموض ولكنه عميق الشعور بالانتماء الأرضي لهم ولذاكرة أرضهم الضخمة الثابتة ! إنها حقاً روح الشعوب الأصلية الغنية والحساسة للغاية تستحق الاحترام والعطف دائمًا .