تعد مدينة القدس واحدة من أهم المواقع المقدسة في العالم الإسلامي والمسيحي واليهودي، وتكتسب قيمتها التاريخية والدينية بموقعها الاستراتيجي وتحصينات أسوارها التي تحيط بها منذ العصور القديمة حتى اليوم. يمتد تاريخ هذه الأسوار لأكثر من ثلاثة آلاف عام، مما يعكس تراث المدينة الغني والمعقد.
في البداية، كانت أسوار القدس الأولى عبارة عن خندق وحصن بسيط خلال فترة حكم داود النبي حوالي القرن الحادي عشر قبل الميلاد. ومع ذلك، فإن أول نظام دفاعي متكامل ظهر تحت الحكم الهيلينياني في القرن الثالث قبل الميلاد عندما أمر شمعون بن شمعون بإعادة بناء ونصب حصون المدينة لحمايتها ضد الغزوات الرومانية المتكررة. بعد سقوط الإسكندر الأكبر وحكم السلوقيين، شهدت أسوار القدس تحسينات كبيرة تحت حكم الخلفاء الأمويين والفاطميين ومن ثم الأيوبيين والمماليك والعثمانيين الذين كل منهم ترك بصماته الخاصة عليها.
من أشهر أعمال التجديد الكبير جاءت أثناء فترة السلطان صلاح الدين الأيوبي حيث قام ببناء سور جديد خارج أسوار المدينة القديمتين مما مكّن من توسيع مساحة الأرض المحمية بشكل كبير. وفي عهد الوالي يوسف الثاني استمر العمل وتم الانتهاء منه بحلول العام 1248 م. هذا السور يعرف الآن بسور صلاح الدين وهو جزء رئيسي من معالم المدينة الأثرية.
لم تكن الأسوار مجرد تحصينات عسكرية فقط؛ بل كانت أيضًا رمزا دينيا وثقافيا عميقا لهذه المدينة المقدسة. فهي تمثل الحدود بين الحياة الدنيا والأرض المقدسة بالنسبة للمسلمين والمسيحيين واليهود. كما أنها تشكل حاجزا ماديا يحافظ على هوية المكان الثقافي والتراثي الفريد لها ويحفظ طابعها الخاص كمدينة مقدسة ومحمية.
اليوم، تعتبر أسوار القدس مصدر فخر لكل شعوب المنطقة العربية والإسلامية ويمكن مشاهدتها ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي كونها "إحدى القطع الأكثر شهرة وأطول العمر وأبرز المعالم الجغرافية الهندسية عبر القرون".