دور الولايات المتحدة في انهيار الاتحاد السوفيتي: دراسة متعمقة

التعليقات · 0 مشاهدات

عندما بلغ التوتر بين القوتين العالميتين أوجّه خلال الثمانينيات، برز دور الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره أحد المحركات الرئيسية لانهيار الاتحاد السو

عندما بلغ التوتر بين القوتين العالميتين أوجّه خلال الثمانينيات، برز دور الولايات المتحدة الأمريكية باعتباره أحد المحركات الرئيسية لانهيار الاتحاد السوفيتي. بدأت الولايات المتحدة حملتها ضد الاتحاد عبر عدة محاور، بما في ذلك الضغط الاقتصادي والعسكري والسياسي، مُستهدِفةً إضعاف النفوذ السوفيتي عالميًا ودفع البلاد نحو التفكك الداخلي.

بعد انتصار الاتحاد السوفيتي في الحرب العالمية الثانية عام 1945، بدأ عصر جديد من العلاقات الدولية المعروف بالحرب الباردة، التي امتدت لعقود طويلة ومتوترة. اتسم هذا العصر بتنافس شديد بين المنظومة الليبرالية الأميركية والمؤسسات الشيوعية السوفييتية. أدى هذا التنافس إلى سباق تسلح مكلف اقتصادياً واجتماعياً بالنظام الشيوعي.

بالرغم من اندماجهما مؤقتاً ضمن محور الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية، فقد تعاظمت الخلافات بين واشنطن وموسكو عقب تلك الفترة. اعتبرت إدارة رئاسة الرئيس الأمريكي هاري ترومان أنّ توسيع نفوذ الاتحاد السوفيتي يشكل تهديدًا مباشراً لأمن الغرب وللسلم العالمي. لذا عززت السياسة الخارجية الأمريكية دعم حركة "التشيكنيك" (anticommunist) والمعادية للاتحاد السوفيتي حول العالم.

مع توليه الحكم في العام ١٩٨٥, سعى الزعيم السوفييتي مايكل جورباتشوف لتطبيق سياساته الإصلاحية الخاصة بإعادة الهيكلة ("بيريسترويكا") والديمقراطية ("جلقوست"). رغم نواياه الحسنة, لكن هذه السياسات أثارت اضطرابات داخلية واسعة الانتشار أثقلت كاهل الدولة السوفييتية بكثافة نسبية وتمثل نقطة ضعف كبيرة يمكن الاستغلال لها. وفي المقابل، واصلَتْ الولايات المتحدة تحت قيادة رونالد ريغان فرض العقوبات التجارية والشطب عن قائمة الصادرات للدولة العملاقة مما أدى للإفقار المفاجئ للنظام الاقتصادي للسوفييت وزيادة ديونهم الخارجية بصورة صادمة.

على الجانب العسكري، زادت الولايات المتحدة الإنفاق الدفاعي برياح منافسة جديدة تسمى "الصمود المستديم". هدفها الرئيسي منع التعادل التقني بين البلدين لصالح الجيش الأحمر الروسي وانتهى الأمر بميزان قوة مفصلي لصالح القوات الغربية خاصة البحرية والقوات الجوية. علاوة على ذلك، شاركت وكالة المخابرات المركزية CIA وحكومات أخرى غربية سرًا بشراء مواد خام أساسية للحفاظ عليها خارج نطاق السوق العالمية وتعطيل خطط التجارة الحكومية السوفييتية.

بحلول نهاية عقد التسعينيات -وبعد عشر سنوات فقط من انطلاق مشروع بيريسترويكا- انهار اتحاد الجمهوريات السوفيتية رسميا يوم ٢٦ ديسمبر/كانون الثاني لسنة ١٩٩١ . لقد خسرت موسكو قدرتها على الاحتفاظ بسيطرتها على دول آسيا الوسطى وأوروبا الشرقية ذات الأعراق المختلفة والثقافات المتنوعة نتيجة عدة عوامل مجتمعة؛ أولها عدم القدرة المالية لحماية مصالحها هناك وثانيها شعور الكثير من شعوب تلك المناطق بالإحباط بسبب الفشل الكبير للتوجه الوحدوي المركزي لنظام الحكم البيروقراطي القديم بالإضافة لاتباع سياسات مغامرة خارجية كثيرة تجاه مناطق مختلفة بالعالم جعلتهم عرضة للاستهداف الدولي والتقسيم الداخلي بطريقة مشابه لما حدث عند إنهيار الإمبراطورية البريطانية سابقًا.

هذه الحقائق التاريخية توضح بلا جدال مدى تأثير التدخل الخارجي المقنع وغير المكشوف والذي قامت به الشقيقة الأقوى(أمريكا) دفع الاتجاه المتزايد نحو الانشقاق حتى الوصول لمرحلة اللاعودة عندما قرروا خوض تجربة انفرادية مستقلة لكل جزء من أجزائه السبعة عشرة الأولى والتي شكلت أساس وجوده قبل فترة قصيرة جدًا جدًا من اختتام المسرح الأخير لهذه الدراما الكبرى...

التعليقات