- صاحب المنشور: حسيبة البدوي
ملخص النقاش:
مع ظهور وسائل التواصل الاجتماعي وانتشارها الواسع، أصبح لهذه المنصات تأثير عميق ومتعدد الأوجه على مختلف جوانب الحياة اليومية. هذا التحول ليس مقتصراً على طريقة الاتصال والتواصل بين الأفراد فحسب، بل يشمل أيضاً كيفية تشكيل الرأي العام والثقافة المجتمعية. يستكشف هذا المقال التغييرات الرئيسية التي شهدناها منذ دخول شبكات التواصل إلى حياتنا اليومية وكيف أثرت هذه المنصات على قيم وممارسات ثقافية متعددة.
التأثير الأول: تحويل الديمقراطية الرقمية
تمثل خطاب المواطن وجهات النظر العامة إحدى أهم القوى المؤثرة في الحكومات والدولة. كانت الصحف والوسائل الإعلام التقليدية هي المصدر الأساسي للحصول على المعلومات السياسية والعامة سابقاً ولكن مع الوصول الكبير المتاح عبر الإنترنت وبشكل خاص خلال الكوارث والأزمات مثل جائحة كوفيد-19، لم يعد بوسع السياسيين تجاهل صوت الجماهير عبر العالم الافتراضي حيث يمكن لأي شخص نشر آرائه سواء بطريقة فردية أو تنظيم مجموعات ضغط وإحداث تغييرات جذرية بناءً عليها مما أدى لظهور شكل جديد للديمقراطية يسمى "الديمقراطية الرقمية".
التأثير الثاني: إعادة تعريف الهوية الشخصية
تعكس هويتنا وأسلوب عيشنا العديد من العناصر منها البيئة الاجتماعية والعلاقات الإنسانية والعادات الشخصية وغيرها الكثير والتي تأثرت جميعها بنموذج حياة جديد نشأت عنه مفاهيم جديدة للتواصل والحفاظ على روابط اجتماعية قديمة وإنشاء أخرى جديدة تماما. يعزز موقع تويتر مثلاً شعورا بالانتماء للجماعات الصغيرة ذات المصالح المشتركة بينما يوفر إنستغرام مساحة أكبر للمشاركة الحساسة للأمور الفردية والشخصية بما يتجاوز الحدود الجغرافية التقليدية. هناك أيضًا نطاق واسع لاستخدام صور الشخصيات العامة المحبوبة عالميا كالنجوم الرياضيين والفنانين المشهورين لتشكيل تلك الصور الخيالية المثالية للجمهور الشاب خاصة والذي يسعى لإشباع رغبته الطبيعية بالحصول على نماذج تقتدي بها وينظر إليها باعتبارها مصدر إلهام له لتكوين نظرياته الخاصة حول ماهو مميز وفريد بالنسبة إليه.
التأثير الثالث: تعزيز الحرية والتعبير عن الذات
يوفر استخدام وسائل التواصل حرية غير محدودة تقريبًا للعقول البشرية للإبداع والجدارة بالنشر بلا قيود أو رقابة خارجية وهذا ما جعل لها دورا محوريا أثناء الثورات العربية المعروفة بثورة الربيع العربي عندما تمكنت الأصوات المستضعفة من الوصول مباشرة لحشود كبيرة من الناس داخل البلاد وخارجها فتسبب ذلك بتغيير جذري لفكر مجتمع بأكمله وانتهى الأمر بحراك مدني يؤثر مباشرة على أرض الواقع السياسي والإداري الغالب عليه الطابع السلطوي الاستبدادي قبل فترة طويلة من انتشار الشبكات العنكبوتية الإلكترونية بسرعة هائلة لنفس المناطق بعد عام ٢٠٠٥ .
إن فهم طبيعة العلاقات المتغيرة الناجمة عن تسخير تكنولوجيا الاتصالات الحديثة ضروري لاتخاذ إجراءات مستنيرة استعدادا لعصر رقمي يصنع فيه الأشخاص جزءً مهمّا من نظام مجتمعهم الخاص بهم ولعل خير مثال لذلك قدرتهم الآن على خلق فضاء افتراضي ذو سمات مشتركة ويصبح ملاذا آمنا لهم بعيدا كل البعد عما كانوا يواجهونه سابقا حين كانوا مجبرين بالضرورة الانصياع للأوامر الملكية والاستسلام لرؤيتها الضيقة للحياة بدون خيار آخر أمامهم غير الاحتجاج الهادئ الذي محفوف بمخاطر التعرض للقمع الأمني والقضاء الصارم وفقا لقوانينه وقيمه القديمة الراسخة مدى قرنين كاملان تقريبا!