- صاحب المنشور: أكرم بن سليمان
ملخص النقاش:
تواجه البشرية اليوم تحولا عميقا نتيجة للتقدم الهائل الذي شهدته التقنيات الحديثة. هذه التحولات لم تتوقف عند حدود الاتصالات والتجارة؛ بل امتدت لتشمل الطريقة التي نفكر بها، وكيف نتعلم، وأساسا كيفية بناء معرفتنا وتبادلها. يُطلق البعض على هذا الانتقال "الانتقال الرقمي" أو "ثورة المعلومات"، وهو يطرح العديد من الأسئلة حول مستقبل العقل البشري وفهمه للأمور.
في الماضي، كانت المعرفة تُكتسب أساساً عبر التجربة المباشرة والتفكير الهادئ. كان الإنسان يستعين بحواراته مع الآخرين وقراءة الكتب والملاحظات الشخصية لجمع الحقائق وتكوين الأفكار. لكن الآن، أصبح الإنترنت مصدرًا رئيسيًا للمعلومات، حيث يمكن الوصول إلى كم هائل منها بسرعة كبيرة ومجانا غالبًا. هذا التغيير الجذري أدى إلى تغيير جذري أيضا لكيفية تعامل الدماغ البشري مع المعلومة واستيعابه لها.
أولًا، أثرت تقنية البحث عبر الشبكة العنكبوتية على عملية التعليم الذاتي بشكل كبير. عندما يريد المرء التعرف على موضوع جديد، ليس عليه إلا كتابة استفسار بسيط في محرك بحث مثل جوجل للحصول على مجموعة واسعة من النتائج المحتملة. بينما قد يعزز ذلك القدرة على جمع معلومات متعددة وجمعها، فإنه يخلق أيضاً تحدياً فيما يتعلق بالتمييز بين المعلومات الصحيحة والخاطئة. هذا الأمر ينطبق خاصة على المواضيع العلمية والفلسفية الغامضة والتي تحتاج لفهم قيمي وعميق أكثر منه مجرد حصر حقائق.
ثانياً، تلعب الأجهزة الإلكترونية دوراً كبيراً في تشكيل طريقة تفكيرنا. فقد تبين دراسات حديثة أن الاستخدام المطول للهواتف الذكية والأجهزة الأخرى الإلكترونية يؤثر سلبيا على التركيز والقدرة على الحفاظ على انتباه طويل المدى. وهذا له آثار بعيدة المدى، خصوصاً بالنسبة للنشاطات التي تعتمد بشدة على تركيز ذهني عالٍ كالاستماع والإبداع والنظر الناقد.
بالإضافة لذلك، فإن التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت له تأثير ملحوظ على مهاراتنا اللغوية والعلائقية الاجتماعية. إن الرسائل القصيرة والإنستغرام وغيرها من وسائل التواصل تضع القيود المفروضة على طول الرسالة وبالتالي تدربنا بطريقة غير مباشرة على اختزال أفكارنا وتعابيرنا في عدد أقل بكثير من الكلمات مما اعتدنا فعلُه سابقاً. كما أنها تسهم في خلق بيئات افتراضية جديدة للعلاقات الاجتماعية، مما قد يؤدي إلى تغييرات في طرق التعامل الحقيقي بين الناس وفي فهم المشاعر البشرية والحاجة الإنسانية للتواصل الشخصي الواسع النطاق.
وأخيراً وليس آخراً، هناك الاعتبار الأخلاقي المرتبط بتحديات الهوية والخصوصية المتزايدة بسبب انتشار البيانات الكبير عبر العالم الرقمي العالمي المفتوح نسبياً أمام الجميع بدون ضمانات كافية لحماية حرية الاختيار الفردية واحترام حقوق الملكية الثقافية والتراث المعرفي لكل مجتمع وعائلة.
هذه بعض من جوانب التأثيرات التي تحدثها الثورة الرقمية المستمرة حاليا والتي ستظل ولربما تتفاعل بغزارة أكبر خلال السنوات المقبلة – لذا فالنقاش حول تأثيرات تكنولوجيتنا المتغيرة باستمرار علي عقلياتنا هو نقاش حيوي للغاية ويجب ان يتسم بالأخذ بالحفاظ عل القيم المقدسة للإنسان ضمن جهوده للحاق بركب التطور التقني .