مفهوم الجمال عبر العصور الفلسفية: رحلة فلسفية نحو الكمال البشري

التعليقات · 3 مشاهدات

إن البحث عن الجمال ليس مجرد انعكاس للعواطف البشرية، ولكنه أيضًا موضوعٌ عميق غاص فيه العديد من الفلاسفة عبر التاريخ. ففي نظرتهم للجمال، يرسم كل فيلسوف

إن البحث عن الجمال ليس مجرد انعكاس للعواطف البشرية، ولكنه أيضًا موضوعٌ عميق غاص فيه العديد من الفلاسفة عبر التاريخ. ففي نظرتهم للجمال، يرسم كل فيلسوف طريقته الفريدة لفهم هذه الظاهرة الغامضة والملهمة. بدءً من اليونان القديمة وحتى عصر التنوير الأوروبي، تطورت نظريات حول الجمال لتكون مرآة تعكس قيم المجتمعات وتوجهاتها الأخلاقية والفنية.

كان سقراط أفلاطون وأرسطو من بين الرعيل الأول الذين ناقشوا طبيعة الجمال. بالنسبة لأفلاطون، يرتبط الجمال ارتباطًا وثيقًا بالكمال الروحي والأخروي. يؤكد كتاباته أنه يوجد عالم "أشكال" مثالي ومستقل يدفع إلى إدراك جمال الأشياء الحسية كنسخة محدودة منه. يشير هذا التعريف المجرد لليقين جمالي إلى إمكانية الوصول للإنسان لما هو أبعد من التجربة اليومية، مما يوحي بأن فهم العالم الجمالي ينبغي أن يتم بصورة روحية قبل مادية.

على الجانب الآخر، يرى أرسطو التأثير المتبادل بين الطبيعة والبشر في تحديد ما يعتبر جميلاً أم غير ذلك. فهو يستخدم مصطلح "الكليات الخمس"، وهي الوحدة والتناسب والتناسب والتكامل والاستقامة، لإرشاد الجمهور للحكم على مزايا العمل الفني بناءً على كيفية تحقيق تلك المقاييس بشكل فعال. وهكذا، يمكن اعتبار عمل فني جميل عندما يعرض تناغمًا معقداً داخل الأجزاء المنفصلة عنه ويحقق توازنًا عامًا يجذب المشاهد إليه.

من القرن الثامن عشر حتى بداية قرن النهضة الإنسانية اللاحقة، كانت هناك ردود فعل ضد المركزية الدينية التقليدية لهذه الأفكار القديمة. ظهرت وجهات نظر جديدة تتوافق أكثر مع الانفتاح العلماني والحسي للمجتمع الأوروبي الناشئ آنذاك. اعتبر ديفيد هيوم وسانت بيير دي مارمونتل دي بوفوار أن الإحساس الشخصي والعاطفة هما المعيار الوحيد للتذوق الجمالي. يقترح هيوم، على وجه الخصوص، الاعتراف بحالة عدم القدرة على القول بما إذا كان هناك نوع واحد ثابت ومتفق عليه عالمياً يسمى "الجمال"، بل قد يكون مختلفا تماما حسب الثقافات والمعتقدات المختلفة للأشخاص المختلفين. وبالتالي فإن الشعور بالأثر النفسي الصافي لدى مشاهدي قطعة فنية هو المؤهل الأعلى لتقييم مدى جماليتها بصرف النظر عما يفكر به الآخرون بشأن الموضوع نفسه.

وفي وقت لاحق خلال فترة التنوير الفرنسية، رأى إيمانويل كانط أن الأحكام حول الجمال ليست نتيجة مباشرة لمادة ظاهرة ولكنها ناشئة عوضاَ عنها بسبب ميل نفسي ذي طابع ذاتي داخلي يُطلق عليه اسم "حسن الذوق". إن تعريف كانط للجمال بأنه لهيجنة غير مكتملة وغير متطلبة، وهذا يعني أنه يتمتع بسرعة انجذاب جذابة لكن بدون مطالبات مطلقة راسخة خلفها. بالعبارة الأخرى، يجد المرء سروره الخاص بمشاهدة مشهد خلاب لأنه يرغب في ذلك وليس لأن القانون الأخلاقي يأمره بذلك؛ إذ ينتج حكمُ الشكل الجمالي نتائج حسّية واجتماعية قابلة للتحقق وليست نهائية ومعيارية كما تصور لها بعض الفترات السابقة مثل الأفلوطونية المثالية للأفلاطونية الجديدة المبكرة التي سبقت عصره بفترة زمنية طويلة جداً.

بالرغم من اختلاف النظريات الجدلية والمناقشة المستمرة حول ماهيته إلا أنها جميعها تؤكد على مكانة الفنون والإبداع ضمن منظومة الإنسان المعاصر باعتباره جزءً أصيلاً شاغل مقامه بها واسهاماتها الاجتماعية الفعالة فى تقدم مجتمعيات جنس البشر كافة بما فيها العلاقات الشخصية العامة منها الخاصة أيضاً! ويتضح بجلاء كيف تعتمد مفاهيمه وآفاق رؤيتنا إليها اعتمادًا عاكسًا لصحتها واستنباط الطرق المناسبة لرصد آثارها النفسانية والقيم التربوية المصاحبة لذلك وكأنواع مختلفة أخرى تشترك مشاركة فعاله فيما يعرف الآن بمسمى علم النفس المعرفي وعلم الاجتماع والثقافة الشعبية الحديثة وما شابهها غيرها الكثير مما يحتوي تاريخ التفكير العقلي البشري المُمتداخل معه منذ القدم وحتى يوم الناس هذا!

التعليقات