يعد أبو الطيب المتنبي، أحد أشهر شعراء العرب، قد ترك لنا تراثاً غنياً من الحكم والمواعظ التي تعكس رؤيته العميقة للحياة وعلاقاتها الإنسانية. ومن بين هذه الكنوز الأدبية، نجد حكمة عميقة تتعلق بالصداقة ومعنى العلاقات الأخوية. يشدد المتنبي في قصائده على أهمية الصداقة كركيزة أساسية لبناء مجتمع سليم ومستقر. فالصديق الحق هو النور للطريق في ظلام الجهل، وهو الداعم والقوة عندما تهدأ النفوس. يقول الشاعر الفذ:
"صَدِيقي نَورٌ لِضَلَّتي وَعَونٌ عَلَيهَا إِنْ ضاقَتْ مَعَهُ الأَرْجُو"
هذه المقولة تحمل في طياتها رسالة سامية تؤكد على دور الصديق الوفي كمرشد وحليف في مواجهة تحديات الحياة ومسؤوليتها. إنها توضح أنه ليست كل صداقة تستحق الاحترام والتقدير؛ بل إن هناك نوعاً خاصاً من الصداقة يبني عليها الرجل أمله ويعول عليه عند انقطاع جميع الأبواب الأخرى.
يتطرق المتنبي أيضاً إلى طبيعة الصديق المثالي، حيث يرسم صورة لشخص صادق وجاد في نيته وأخلاقه، ولا يخون ولا يغدر. فهذا النوع من الأشخاص يستحق الثقة ويستطيع المرء الاعتماد عليه في أصعب الظروف. إذ يشير إلى ذلك بقوله:
"إِذا كانَ هُناكَ خَلِيلانِ حَملا احدهمُ مُساوئ الآخر فما فضلوا
خليلاً عليَّ إلا صديقانِ ما لهما مِن سوءٍ يُريبُ".
وفي هذا السياق، يدعونا المتنبي لاستشعار مسؤوليتنا تجاه أصدقائنا وتقديم دعم غير مشروط لهم عند حاجتهم إليه. فالوفاء والصبر هما أساس بناء علاقة صادقة وطويلة المدى. كما ينبهنا أيضا لإبعاد أولئك الذين يمكن أن يلحق بنا الضرر بسبب تصرفاتهم غير المسؤولة والتي تخالف القيم الحميدة.
بذلك فإن مطالع ابن هانئ يعلمنا دروسا مهمة حول كيفية اختيار رفقاء دربنا وكيفية التعامل مع تلك الاختيارات بشكل رشيد يحفظ لكرامتنا ويضمن مسار حياتنا نحو الخير والسداد بإذن الله تعالى.