الغربة ظاهرة قديمة قدم البشرية نفسها، وهي تجربة عابرة للحدود الجغرافية والثقافية. إنها حالة يواجه فيها الفرد نفسه خارج بيئته المعتادة والخلفية التي نشأ عليها. عبر التاريخ، كتب العديد من الأدباء والشعراء والأعلام عن هذه التجربة المعقدة بمختلف جوانبها العاطفية والفكرية والنفسية.
في الشعر العربي القديم، نرى كيف تصور امرؤ القيس رحلة الغريب بصورة حزينة ولكن متسامحة في قصيدته "ذات الخلخال": "إذا ذكرت ذو الحليفة وطريقا... وذكر غريبة وصوت مزموم". هنا يعبر الشاعر عن مشاعره المتداخلة بين الحزن لرحيله وبين الشوق للمكان المحبوب. أما أبو فراس الحمداني فكان أكثر تحديداً عندما قال: "إنما الغريب من ليس له وطن/ ما دامت النفس تتعلق بالأوطان."
وفي الغرب، كان شكسبير يحكي قصة هملت الملك الرومانسي المنفي إلى الدنمارك بسبب سياسات أبيه السياسية. وفي كتاباته، طور فكرة الغربة كجزء أساسي من الشخصية الإنسانية وليس فقط نتيجة الظروف الخارجية كما ذكر ابن خلدون في "مقدمة تاريخه". يقول شكسبير في مسرحيته "يوليوس قيصر"، "أنا روماني ولي حق التصويت!". هذا الاقتباس يُظهر مدى تأثر الشخصيات الرئيسية بالمنفى والتناقضات الثقافية.
الباحث الاجتماعي الفرنسي غاستون باشلار وصف أيضاً حالات الغربة بأنها جزء طبيعي من الحياة الحديثة، مستشهداً بتغير المجتمع الحديث وتطور المدن الكبير كمسبب رئيسي لغربة الإنسان داخل مجتمعه الخاص. يشبه ذلك قول الأمام علي بن أبي طالب "الغريب كل يوم يغدو ويمسي فيه عدوٌّ له".
بشكل عام، تبقى الغربة تحدياً إنسانياً دائماً يتطلب قبول الذات وفهم الآخر للتغلُّب عليه. هي ليست مجرد موقف مؤقت بل ربما تكون مرحلة ضرورية للنمو والتطور الشخصي.