- صاحب المنشور: اعتدال بن الماحي
ملخص النقاش:
في عالم يتشابك فيه التقليد والابتكار بسرعة مذهلة، تُحدث الثورة الرقمية تحولات عميقة في قطاع التعليم. إن تأثير التكنولوجيا على العملية التعلمية ليس مجرد تغيير طفيف؛ بل هو تحول جوهري يشكل مستقبل تعلم الأجيال القادمة. هذه الفكرة هي محور هذا المقال الذي يستعرض كيف يمكن للتكنولوجيا أن تعزز التجارب التعليمية كما تكشف أيضًا عن بعض العقبات التي قد تواجهها.
مع ازدياد انتشار الإنترنت وأجهزة الكمبيوتر المحمولة الذكية والأدوات المتصلة بالإنترنت ببأسعار معقولة، أصبح الوصول إلى المعلومات أكثر سهولة ومتاحاً للجميع بغض النظر عن الموقع الجغرافي أو الوضع الاقتصادي. يوفر هذا العصر الجديد فرصًا هائلة لتوفير مواد دراسية متنوعة ومثيرة تحت تصرف الطلاب حيث يمكنهم استكشاف موضوعات مختلفة عبر الوسائط المتعددة الغنية والممتازة بصريا مثل الصور والفيديوهات ثلاثية الأبعاد والعروض التفاعلية مما يؤدي لصقل مهارات حل المشاكل واتخاذ القرار لدى الأطفال والشباب وبالتالي جعلهم أكثر قدرة على المنافسة في سوق العمل المستقبلي. بالإضافة لذلك فإن استخدام البرامج التعليمية والتطبيقات الخاصة بتعزيز القدرات المعرفية كالتعلم الآلي والكيمياء الافتراضية وغيرها يساهم بشكل كبير في زيادة فعالية الفصول الدراسية وتقديم تجارب مرئية غامرة تضاعف نسب فهم المحتوى المقروء/المسموع بنسبة تصل لما فوق %70 مقارنة بالنماذج الكلاسيكية القديمة للقراءة الصامتة والاستماع للمدرس فقط.
وبالرغم من تلك الإيجابيات إلا أنه يوجد جانب سلبي لهذه الثورة التكنولوجية وهو الانقطاع المفاجئ للعلاقات الشخصية بين المعلمين والطلاب بسبب الاعتماد الكبير علي وسائل التواصل الإلكتروني والتي قد تؤثر سلبيا علي الجانب الاجتماعي للأطفال وقد ترتبط بعدائهم وانخفاض درجات التركيز لديهم عند حضور الدروس الحقيقية لأن عقولهم اعتادت التحولات السريعة لعلامات الترقيم خلال الرسائل المكتوبة وليس تسلسل الأفكار المطروح داخل قاعة التدريس التقليديّة حيث يقوم المعلّم بشرح الموضوع بطريقة منطقية متدرجة. كذلك هناك خطر آخر يتمثل في حجب حقائق تاريخية مهمة لأجيالنا الجديدة نتيجة عدم وجود رقابة مناسبة لحماية شبكاتنا المحمية ضد محتويات ضارة.
لذلك باتت حاجتنا ماسة لإعادة رسم سيناريو جديد يوازن بين قوة الأدوات الحديثة والحفاظ أيضا على جوهر عملية التعلم المتمثل بالحوار المباشر والتواصل الإنساني المبني عل الاحترام المتبادل والذي لن تستطيع أي تكنولوجيا إعادة إنتاجه بنفس مستوى الروحية الأصيلة له خاصة بالنسبة لمسألة التأهيل النفسي الداخلي للإنسان الذي يعد أساس نجاح أي مشروع علمي سواء كان ذلك يتم عبر "منصة إلكترونية" أم جلسة دراسة تقليديه بامتياز.
وفي النهاية فإن رحلتنا نحو مجتمع قائم تماما حول العالم الافتراضي تعد اختبارا مباشرا لقوة ذكاء البشر وقدرته الإبداعيّة للتكيف والتطور جنبا إلي جنب مع تقدم العلم الحديث وما يحملّه معه بلا شك من مزايا عديدة لكن بشرنا بحاجة دائما لمراجعة دوافع نواياه وأهدافها الأساسية فيما يخضع لقبول اجتماعي عام شرعي قبل تطبيق كل خطوة مبتكرة حتى وإن جاءت مُعلن عنها بمظاهر براقة وجاذبية مميزة! فالحذر واجب أمام المغريات المنظرين وفكر بعناية قبل اتخاذ قرار بشأن تبني ثقافة جديدة مهما كانت جذابة فالهدف الأكبر دوماً ينصبُّ حول جعل الإنسان أفضل نسخة ذات نفسها بينما نستغل الاختراع لجلب الخبرة والمعرفة لديه وليسا لاستنزاف حياته الاجتماعية وانخفاض مردوده التعليمي والإنتاجي!