في القرن السادس عشر، شهدت أوروبا تحولا عميقا مع ظهور حركة الإصلاح البروتستانتي التي أثرت بشكل كبير على المشهد الديني والثقافي للمجتمع الأوروبي آنذاك. هذه الحركة، والتي بدأت كحراك ضد ما يُعرف بالأرثوذكسية الرومانية الكاثوليكية، قامت بتغييرات جذرية في العقيدة والممارسات الدينية المسيحية.
بدأ هذا التحرك بإنسان اسمه مارتن لوثر، الراهب الألماني الذي عارض العديد من تعاليم البابا وأصدر "النصوص التسعين"، وهي مجموعة من النقاط العريضة التي تتحدى سلطات الفاتيكان. من بين القضايا الأكثر جدلية كانت قضية الغفران - اعتقاد الكنائس الكاثوليكية بأن دفع المال يمكن شراء غفران الخطايا. رفض لوثر هذا واعتبره انتهاكا لتعاليم الكتاب المقدس.
أدى ذلك إلى انشقاق كبير داخل الكنيسة المسيحية التقليدية. بعد توجيه الانتقادات للفاتيكان وعدم الاستجابة لها، قرر لوثر نشر نظرياته حول الثقة في رحمة الله عوضاً عن الأعمال الصالحة كمصدر للغفران. أدى ذلك إلى تشكيل كنيسة جديدة تعرف باللوثرانية، أول فرع رئيسي للإصلاح البروتستانتي.
بعد فترة وجيزة، ظهر جون كالفين، وهو مفكر ديني سويسري آخر أسس الكنيسة الكالفينية. كان لكالفين وجهة نظر مختلفة قليلاً؛ فقد شدد على أهمية الوحي الشخصي وحرة إرادة الإنسان تحت حكم الله. كما أنه كتب كتاب "إ Institutes of Christian Religion"، والذي أصبح واحداً من أكثر الكتب تأثيرًا في تاريخ الدين المسيحي.
هذه الأفكار لم تكن مقبولة لدى الجميع وكانت سبباً في العديد من الصراعات الدموية والمعارك السياسية والدينية خلال الحرب الثلاثين عاماً (1618-1648). ومع ذلك، فإن تأثير هذه الحركات الإصلاحية استمر حتى اليوم ويمكن رؤيته في اختلافات كبيرة بين الطوائف الدينية المختلفة عبر العالم الغربي. إن فهم تاريخ الإصلاح البروتستانتي ضروري لفهم العمليات الدينية والثقافية المعقدة التي شكلت أوروبا الحديثة والعالم خارجها.