يُعتبر كتاب "القنفذ"، للكاتب السوري المخضرم زكريا تامر، واحداً من الأعمال الأدبية التي تعكس جمال وحلاوة الذكريات الطفولية. نشرت الطبعة الأولى لهذه المجموعة القصصية القصيرة عام 2009، وتتكون من 22 قصة تجسد حياة طفولة مليئة بالأمل والفضول والاستكشاف. ولد زكريا تامر في سوريا عام 1931، وقد حصل على العديد من الجوائز الأدبية المرموقة، منها جائزة الدولة التشجيعية في الآداب عام 1979 وجائزة ابن النفيس لأفضل رواية عربية عام 2005.
يُعتبر كتاب "القنفذ" أحد أكثر أعمال تامر إمتاعاً للقراء. يُعيد المؤلف القارئ إلى عالم بريء من براءة الطفولة، حيث تُروى كل قصة كأنها انطباعات لحظية تتسم بالحنين والبساطة. يستخدم تامر تقنية "الفلاش باك" لإعادة الزمن إلى الخلف بنظرة محببة للأوقات الجميلة الماضية. التركيز الرئيس في الكتاب ليس فقط على الأحداث نفسها، بل أيضاً على طريقة سرد الحدث نفسه - بالعجب والفانتازيا الخاصين بالطفولة.
في صفحات "القنفذ"، يتمثل العالم الداخلي للطفل بشكل واضح. يعرض تامر البيت الشامي التقليدي بكل تفاصيل جوهره، بما في ذلك الحديقة الغنية والشجرة القديمة والجدران القديمة والمآثر الروحية مثل الجن والعفاريت. كما يقدم صورة نابضة للحياة للحياة العائلية والأصدقاء المقربين في شارع دمشقي مزدحم. رمزية العنوان هنا واضحة؛ فالطفل وصاحب الرؤية الشعرية في هذه القصص مشابه لقنفذ دفاعي ومستوحش، يواجه العالم الخارجي برؤيته الخاصة وحسن ظنه.
بعض الأمثلة على القصص الموجودة داخل مجموعتنا هي "الملح"، حيث يتعلم الصبي درسًا قاسيًا ولكنه يعلو فوق مخاوفه ليصبح قائدًا بين زملائه في الحي. ثم هناك قصة "الحقيبة"، حيث يكشف الشقيق الكبير سرًا مفاجئًا عندما يتعلق الأمر بحملة المرأة المسنة التي قابلها أثناء رجوعه من المدرسة. كل قطعة قصصية تقدم عرضًا غنيًا ومتنوعًا للعالم الخيالي المرتكز على التجربة الإنسانية الأولى في الحياة: مرحلة الطفولة.
إن عبقرية زكريا تامر تكمن في قدرته الرائعة على خلق شعور عميق بالإخلاص لمرحلة قديمة مضت بينما يبقى دائمًا مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بواقع اليوم المعاصر. إنه فعل الحب للتاريخ الشخصي لكل فرد ضمن الثقافة العربية، وهو عمل يجذب القراء بغض النظر عن خلفياتهم المختلفة.