تاريخ نشأة وانتشار الكتابة المسمارية: رحلة طويلة عبر الزمان والمكان

التعليقات · 6 مشاهدات

كانت الكتابة المسمارية أول نظام كتابة معروف في تاريخ البشرية، وقد ظهرت في منطقة سومر القديمة الواقعة بين نهري دجلة والفرات حاليًا في العراق. تعود جذور

كانت الكتابة المسمارية أول نظام كتابة معروف في تاريخ البشرية، وقد ظهرت في منطقة سومر القديمة الواقعة بين نهري دجلة والفرات حاليًا في العراق. تعود جذور هذه الكتابة إلى حوالي العام 3200 قبل الميلاد، حين بدأ الكتاب السومريون باستخدام العيدان الغليظة لنقش رموز مسمارية محددة على قطع طينية ناعمة لتوثيق الأعمال التجارية والعقود القانونية الأخرى. كان النظام المبكر لهذه الكتابة يعتمد في الأصل على تصوير أشياء واقعية بسيطة مثل الأشجار والدواجن وغيرها. وبعد مرور قرنين تقريبًا، تطورت الكتابة لتستخدم رموزًا صوتية تمثل أصوات اللغة السومرية، مما سهل فهم النصوص وتبادلها بين المناطق المختلفة.

خلال القرون الوسطى من عمر حضارة بلاد ما بين النهرين، انتشر استخدام الكتابة المسمارية خارج حدود سومر الأصليّة ليصبح وسيلة اتصال شائعة لدى العديد من المجتمعات الناطقة بالأكادية والحورية والحيثيين وغيرها الكثير. يُعزى انتشار هذا النوع الفريد من الكتابة جزئيًا إلى مرونتها ودقتها كمجموعة أدوات للتواصل المكتوب أيضًا؛ إذ يمكن كتابته بسرعة وكفاءة بواسطة عصا ذات نهايات مجوفة تُعرف باسم "القلم الإسفيني". ومع ذلك، فإن ظهور طبقات جديدة للسكان ذوي اللهجة المختلفة كان يعني حاجتهم المستمرة لإعادة تصميم نظام الكتابة الخاص بهم حتى يتمكن الجميع من قراءتها وفهم معناها بوضوح.

وفي الوقت نفسه، شهدت ممارسة الكتابة نفسها تحولات كبيرة تتعلق بنمط الخط والتوجه الأفقي مقابل العمودي له. فعلى سبيل المثال، بدأت المحاولات الأولى للنص العربيّ باتخاذ الاتجاه أفقيًّا منذ مطلع عصر الدولة الآكادية الثاني عندما أتاحت درجة ميل حاكمة مدنية شهيرة -لوغالزاجي ملك اوروك آنذاك- فرصة تجربة شكل مختلف للكتابة يشابه الأفق الحالي. وعلى الرغم من وجود اختلاف بشأن توقيته الدقيق إلا أنه قد حدث بالفعل قبيل بداية حقبة سياسية مؤثرة جدا وهي تلك المرتبطة بحكم الأكديين القدماء لبغداد اليوم لفترة قصيرة نسبياً امتدت نحو ثلاثين عاما فقط.

هذه التحولات التدريجية لم تنقذ الكتابة المسمارية من مصائرها النهائية رغم أنها ظلت تزدهر لمدة ثمانية قرون تقريبًا. ولكن جاء يوم انحسرت فيه شعبيتها وتم تجاهلها تمامًا لصالح وسائل أخف وزنا وأكثر ملائمة للاحتفاظ بها كالورق والخشب وبالتالي اختفى فن الاحتفاظ بالنصوص بالطريقة التقليدية الخاصة بالسومريين واستبدالها بوسائل أخرى حديثه أثبت أهميته وإمكانياته المتناميه باستمرار. وهكذا أصبح آخر تسجيل موثوق مصدروه بالعصر الروماني المضطرب والذي يرجع بتاريخه للألف سنة الخامسة عشرة وما قبل الميلاد علامة فارقة مهمة تؤرخ بداية نهاية الحضارات الإنسانية الأولى نحو آفاق مغايرة لسابق أسلافنا الذين مهدوا السبيل لاستخدام الاختراعات الثورية التالية لدينا الآن بإطلاق العنان لقدراتهم الإبداعية ومستمرين بذلك ترسيخ أساس الحضارة الحديثة بكل مظاهر تقدمها وعلاوتها .

التعليقات