في عمله الأدبي البارع "فقراء"، يقدم الأديب الروسي الكبير فيودور دوستويفسكي للقارئ دراسة متعمقة ودقيقة للطبيعة الإنسانية وكيف يمكن أن تؤثر الظروف المعيشية القاسية على النفوس والأرواح. تدور حبكة هذه الرواية حول مجموعة من الأشخاص الذين يعيشون في أحياء الطبقة الدنيا في سانت بطرسبرغ خلال النصف الثاني من القرن الثامن عشر.
تبدأ الرحلة مع الشخصية المركزية راسكولنيكوف، طالب جامعي فقير ومُحبط يشعر بالاشمئزاز من الوضع الاجتماعي القائم والذي يراه غير عادل وغير أخلاقي. نتيجة لذلك، يقنع نفسه بأن هناك نوعاً خاصاً من الناس -مثلما يُصنف نفسه- مسموح لهم بتخطي القوانين الأخلاقية والتقاليد الاجتماعية عندما ترسم الظروف طريقها أمام ذلك. بناءً على هذا المنطق المنحرف، ينتهز فرصة قتل بائعة بفائدة فاحشة ويستولي على مدخراتها المالية.
مع تقدم الأحداث، يقع الراوي تحت ثقل ضميره المتألم وانعكاسات الفعل الشنيع الذي قام به. يستعرض المؤلف هنا تقلبات الحالة العاطفية والنفسية للشخصيات وهو ما يعتبر أحد أهم سماته الخاصة ككاتب؛ القدرة الدراماتيكية على تصوير مشاعر الشخصيات الداخلية ومعاناتها بشكل مكثف وحقيقي للغاية. كما يتميز عمل دوستويفسكي أيضاً باستخدامه الواسع للمقارنة بين طبقات المجتمع المختلفة وأثرها السلبي والإيجابي عليها وعلى سلوك الأفراد.
إن "فقراء" ليست مجرد قصة جريمة وإنما هي انعكاس للحالات الوحشية التي قد يصل إليها الإنسان بسبب الضغط الاقتصادي والعقد النفسية المستمرة والتي غالباً ما تتسبب فيها عدم المساواة الاجتماعية والقهر الثقافي. من خلال تجربة الراوي المؤلمة وشوقه الداخلي نحو التغيير والعدالة، يسعى دوستويفسكي لإرشادنا لفحص وجهات نظرنا الذاتية تجاه الحياة والمجتمع وتحدينا لأن ننظر خارج حدود مجتمعاتنا الصغيرة ونرتفع فوق قيود المجتمع التقليدية. إنها دعوة لنبحث عن الحقيقة والرحمة والحياة الصادقة بغض النظر عن ظروفنا وظروف الآخرين حوله.