تاريخ الساعة الشمسية: رحلة عبر الزمن

التعليقات · 0 مشاهدات

يمثل تاريخ الساعة الشمسية فصلًا مُذهلاً من فصول الاكتشافات الإنسانية الرائدة التي ترجع جذورها إلى آلاف السنين مضت. يعود الفضل للفكر البارع للعلماء الم

يمثل تاريخ الساعة الشمسية فصلًا مُذهلاً من فصول الاكتشافات الإنسانية الرائدة التي ترجع جذورها إلى آلاف السنين مضت. يعود الفضل للفكر البارع للعلماء المصريين والبابلانيين في بداية هذه الرحلة عندما اكتشفوا إمكانية مراقبة مرور الوقت عبر متابعتهم لحركة الأجرام السماوية مثل الشمس. وقد أدى هذا الاكتشاف إلى تطوير ما نعرفه اليوم باسم "الساعات الشمسية".

في جوهر الأمر، تُعدّ أي قطعة ملموسة تشير إلى موقع الشمس أثناء دوران الأرض حول محورها بمثابة ساعتها الشمسية الخاصة. بدءًا من أسلافه الأكثر بساطة المستخدمة في مصر القديمة، تسلق فن تصنيع ساعات الشمس درجات مختلفة من التعقيد والتطور.

تُعتبر نسخة "ساعة الظل" المصرية الواقفة شامخة ومستمرة حتى وقتنا الحالي واحدة من أبسط الأمثلة وأكثرها أصالة لهذه الاختراعات المبكرة. وتتألف هذه الوحدة البسيطة والمقاومة للتآكل - مصنوعة من حجر أخضر ثابت - من أساسٍ رأسي عليه علامات زمنية دقيقة. وفي نهاية واحدة منه يوجد صليبٌ طويل يستند إليه عند الشروق ثم يُحول لجهة مغربية حال قرب انتهاء نهار جديد.

كما ابتدع العالم الجليل اليوناني أرسطرخس الساموسي تصميمًا ذكيًا آخر للساعة الشمسية وهو نموذجه غير التقليدي لنصف كرة حجريّة مفتوحة الجانب الآخر. إذ قام بنحت شكل نِصف كروي واستخدامه كمؤشر حيث يقوم بإلقاء ظله عكسياً عبر الجزء الداخلي للنصف السفلي لإعطاء إشارات دقيقَة للأوقات المتنوعة عبر ١٢ قسم مدروس بخبرة تمتد من طلوع الشمس حتى موعد غربتها كل مساء. وعلى الرغم من اعتباره بسيط التصميم إلا إنه نجح بجدارة وكان فعالاً للغاية لمدة عدة قرون داخل المجتمع الثقافي للعرب القدامى الذين كانوا يعيشون خلال القرون الأولى الهجريّة.

أما حضارتا اليونان وروما فقد طوَّرتْ تقدّم تلك التكنولوجيا لتنتقل بنا نحو مستوى أعلى بكثير بكثير من المشاريع الانشائية الهندسية الدقيقة والمعقدة. فعلى سبيل المثال، برج الرياح الأشهر والذي يحمل اسم أثينا يخفي بين جنباته ثمانية جداول متفاوتة المستويات تستغل خصائص الضوء الطبيعي للشمس للمساعدة بمراقبة وتحليل حالة الجو وظروف المناخ المحلية بكل تفاصيل درجة حرارته ورطوبته وغيرهما الكثير! بينما عمل رجال الدولة الرومانييون على حل مشكلة تغييرات مواسم السنة بصنع سلسلة متنوعة ومتخصصة لكل موسم منها تسميات خاصة كالـ "Solstice sundials"، وحتى إنتاج نسخ مصغرة سهِّلت حملها خارج المدن وتمكين المسافرين باستخدامها داخل خرائطهم الشخصية أيضًا.

وفي النهاية يمكن تعريف الساعة الشمسية بأنها أول جهاز ثبت وجوده صنع خصيصًا لرصد مدد سير الأيام ليلاً نهاراً بناءً على تأثير أشعة ضياء الشمس المباشرة مباشرة فوق سطح أرضنا الكريم نفسه سواء ارتكزت تلك الآلات الثابتة على العمود الرأسي أم الموازي له أفقيًا... فهي جميعها تعتمد نفس المنطق الرئيسي: تحديد الموقع الدائري الظلال المركزة لجسد ظاهر تحت اشعة نور مشرق وساخنة مصدرها غالبًا رمز الحياة والقوة والحياة نفسها معروف باسم شموس البشرية! لذا يسجل لنا التاريخ أن الإنسان بدأ بإعداد وعصر تجهيز وحداته الصغيرة لأداء أعمال محاسبية دقيقة ومنظمة بشأن عدادات التسلسل المتغيّر للوقت حسب مكان نشوئه وحسب عوامل بيئية محيطة تؤثر بالأفق الأعلى والأدنى وفق الفصل المناخي كل يوم وكل سنة وكل عصر منذ القدم والإنسان قادر دائمًا على إعادة اختراع اختراعيه مرة أخرى وفعل المزيد معه ليستمر بالتخطيط لمراحل عمر محتملة قادمة جديدة وكأن الدنيا أمام عيناه كاملة قابلة للاستعمال والاستنان والاستمتاع ضمن حدود ممكناتها القصوى!.

التعليقات