في التاريخ الإسلامي المبكر، ظهر شخص مثير للجدل يعرف باسم الأسود العنسي، والذي ترك أثرا عميقاً رغم قصرت فترة وجوده. الاسم الكامل لهذا الشخص هو عبهلة بن كعب العنسي، وينتمي إلى قبيلة عنس الشهيرة في اليمن. يُعتقد أن لقبه "الأسود" جاء نتيجة لتغير لون جلده بشكل غير طبيعي مما جعل مظهره مميزاً للغاية. بينما نسبت كنيتَه "ذي الخمار" إلى عادة الاختباء خلف خمار رقيق أثناء أغراء الآخرين بقواه الغامضة.
اشتهر الأسود العنسي بشدة بالقوة الجسدية والبلاغة اللافتتين. عاش معظم حياته قرب مدينة خبَّان، وفي هذه المنطقة اكتسب سمعة واسعة حول قدرته الاستثنائية على تقديم المعجزات والكهنات. اعتقد العديد ممن عرفوه بحكمة خاصة لديه، مدعين بأنه موضع هداية من الملكين الوصيين اللذين يقول البعض أنهما هما سحيق وشريق.
على الرغم من مكانته المحترمة نسبياً، إلا أنها تحولت رأساً على عقب عندما أعلن دعواه للنبوة مستخدماً نفس الشعار الذي رفعته شخصية أخرى منافسة هي مسيلمة الكذاب -رحمن اليمن-. سعى بكل جهوده لجذب المزيد من المتابعين عبر رسائله المقنعة وكراماته الظاهرة للعين المجردة. لكن محاولاته لم تمر مرور الكرام بالنسبة للأديان المنظمة الأخرى مثل المسيحية واليهودية بالإضافة للإسلام الناشئ بسرعة آنذاك.
أدى مرض رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم مباشرة بعد حجّة الوداع إلى تصاعد شعبيّة الأسود العنسي مؤقتاً وسط الفوضى العامة. استغل الوضع لصالحه بإعلان نبوته الخاصة متخذًا ذات الاسم الطنان المستخدم سابقاً ("رحمن"). سرعان ما انتشر نفوذ طائفته الصغيرة داخل حدود حكمه الضيقة في الجنوب الشرقي ليصل لأبعاد أكبر بكثير مما توقعه. تشكل أساس انقلابه بناءً على ولاءات قبليّة جامحة أكثر منها معتقدات صادقة؛ إذ اقتنع كثيرون برسالته ليس لأنهم كانوا صادقين تمام الصدقية ولكن بغرض الاحتفاظ بتقدمياتهم الحاليّة وإمكانيتهم للتوسع مرة أخرى تحت مظلته الجديدة المفاخرة بالنصرانية القديمة والمستمدة حديثاً ابتداء بالعاشر الهجري للسنة الميلادية.
ومع ذلك، فإن سياساته الوحشية تجاه اتباع العقيدة الإسلامية المعتنقين بصمت والتي شملت التعذيب المستمر لبعض الأفراد مثل نعمان -ابن قرية مجاورة- أثارت مقاومة مكبوتة لدى المجتمع الأوسع نطاقا خارج مناطق سيطرته المباشرة. ما لبثت تلك المعارضة المدفونة أن انتفضت ضد نظام الحكم الخاص به وهزمت جيوشه المنتشرة في كل الاتجاهات المختلفة. قاد حملة المواجهة الرئيسيه الحميري والمعروف بعامه باسم مشاركة العاميري لحملة مشتركة تضمنت أيضًا تقريبًا جميع زعماء القبائل الرئيسية بما فيه همدان وغيرهما.
وفي النهاية حققت قوة الحرب المشتركة الانتصار الكبير حين تم اغتياله بواسطة مجموعة صغيرة مدربة تمتلك مواهب فريدة جدًا وهي نفسها جزء من طبقات جيشه السابق بقيادة كبار أفراده وجنرالاته المخضرمين القدامى(مثل داذوي وفروز). أسفر التنفيذ الدقيق لهذه العملية السرية عن سقوط رؤيته السياسية وطموحاته الشخصية عند غروب الشمس بنفس اليوم الذي فارق فيه الحياة الدنيا محمد صلى الله عليه وسلم بفترة زمنية بسيطة جداً بلغت اثنتي عشرة ساعة فقط!