عبقري المغرب التاريخي والفكري: عبد الحي الكتاني بين الحديث والتاريخ

التعليقات · 0 مشاهدات

ولد العالم المغربي البارز، الشيخ عبد الحي بن محمد بن عبد الله الكتاني, يوم الجمعة الموافق الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ألف وثلاثمائة وست وخمس

ولد العالم المغربي البارز، الشيخ عبد الحي بن محمد بن عبد الله الكتاني, يوم الجمعة الموافق الثاني والعشرين من شهر ربيع الآخر سنة ألف وثلاثمائة وست وخمسين هجرية (1937 ميلادية). كان لأسرته اليهودية - التي اعتنق بعض أفرادها الإسلام لاحقاً – تأثير كبير عليه وعلى سلسلة الأجيال التالية منه. وُلد وتنشأ مدينة فاس القديمة العريقة والتي شكلت أحد أهم محركات نشاطاته التعليمية والدينية والثقافية طيلة حياته.

كان أبوه، الشيخ محمد بن عبد الله, قدوة بارزة له في مجال الفقه والأدب والشعر، كما ترك خلفه تراثا أدبيا غنيا بما فيه "تحفة المشتاق فيما قاله أهل المعرفة والسلوك في الصلاة". أما جده الأعلى فهو العالم الجليل أحمد بن إدريس السنوسي البرنسي، مؤسس الطريقة السنوسية الشهيرة بصعيد مصر وبليبيا حالياً. هذه الخلفية العائلية المتنوعة أثرت بشكل عميق في شخصية وعلم عبدالحي الكتاني.

درس القرآن الكريم وحفظه منذ سن مبكرة جدا تحت إشراف والده وأعمامه الذين كانوا علماء أيضا. ثم واصل دراسته للعلوم الشرعية الأخرى مثل النحو والصرف والبلاغة وغيرها مما يعتبر ضرورياً لإتقان اللغة العربية وآثار الأدباء العرب المسلمين خلال مراحل عمره الأولى بمراكز تعليم متعددة بفاس. بعد بلوغه مرحلة الشباب انكبّ على أعمال التأليف والإبداع العلمي والنقد التاريخي والمذهبي.

يتجلى عبقرية الكتاني الحقيقية في كتاباته حول علم الحديث النبوي الشريف وفروعه كالإسناد والتوثيق والرسم وجرح الرجال واتعاظ الرعيل الأول. استلهم منهاجه البحثي الكثير من المدارس المختلفة داخل العالم الاسلامي آنذاك كالمدارس المصرية والحلبية والحجازية وغيرها بالإضافة لمدرسة معاصريه بالغرب الإسلامي خاصة تلك القريبة إليه جغرافياً كتلك الموجودة بتلمسان والقاهرة وطرابلس الغرب وغيرها كثير.

من أشهر مؤلفات هذا المجمع الكبير للدراسات الدينية والتاريخية: "رسالة في بيان حقائق أمور الإمام أبي سعيد المريني"، ودراساته الموسوعية الضخمة حول تاريخ الصحابة رضوان الله عليهم جميعاً وكذلك كتب أخرى كثيرة تشهد بإنتاجيته الوفيرة وبراعته الواضحة لدى التعامل مع النصوص التفصيلية للسنة المطهرة وسير الشخصيات المؤثرة ضمن السياقات الثقافية والجغرافية المختلفة عبر الزمان والمكان. وقد توفي رحمه الله بالقصر الملكي بفاس بتاريخ الخامس عشر ذي القعدة لسنة إحدى عشرة ومائتين وألف للهجرة (١٩٩١ م)، تاركا لنا ثروة معرفية هائلة تقدر بحوالي ثلاثمائة مصنف مكتوب بخطه اليدوي الثمين! إنه حقاً واحدٌ ممَّنْ نعتز بهم ونفتخر بهم كمواطنين مغاربة وللعالم العربي والإسلامي عامةً لما قدموه للأجيال المقبلة من نورٍ هداه ومنحتهم القدرة على فهم خلفيات الدين الإسلامي وتطور مدنه وإنجازات أعلامه السابقين بطرق نقدية راقية ومتجددة باستمرار.

التعليقات