كانت جمهورية مصر العربية وسوريا قد اتخذتا خطوة جريئة نحو تحقيق وحدة وطنية عربية موسعة خلال فترة الستينات الميلادية عندما تشكلت "الجمهورية العربية المتحدة"، وهي دولة اتحادية تضم البلدين تحت مظلة واحدة. هذه الخطوة كانت نتاج لعديد من العوامل السياسية والأيديولوجية والدولية التي سادت المنطقة آنذاك.
في عام ١٩٥٨، قرر الرئيس المصري جمال عبد الناصر ورئيس الوزراء السوري شكري القوتلي دمج دولتهما لتشكيل كيان جديد يهدف إلى تعزيز القومية العربية ومواجهة النفوذ الخارجي والاستعمار. جاء هذا القرار بعد فترة قصيرة فقط من قيام ثورة يوليو/تموز عام ١952 في مصر والتي أسفرت عن إنهاء النظام الملكي وتبني سياسات اشتراكية تحررية.
على الرغم من وجود بعض الاختلافات الثقافية والاقتصادية والمؤسسية بين الدولتين، إلا أنه كان هناك شعور مشترك بالوحدة الوطنية والقومية الواحدة. وقد أدت انتصارات حرب فلسطين الأولى والحاجة الملحة لمزيدٍ من الجبهة الداخلية الموحدة ضد الصهيونية والتدخل الغربي إلى تعزيز الرغبة في توحيد صفوف البلدان العربية الشقيقة.
وعلى أرض الواقع، بدأت الحكومة الجديدة في تطبيق العديد من السياسات المشتركة بما في ذلك تبني دستور موحد ونظام برلماني واحد وعلم واحد وجيش واحد وحكومة مركزية مشتركة. كما عملت الدولة الوليدة على تطوير اقتصادها وبرامج التعليم والصحة العامة عبر تقديم الخدمات بشكل أكثر تكاملاً وكفاءة لكلا الشعبين.
ومع ذلك، سرعان ما ظهرت تحديات كبيرة أمام الديمقراطية الفتية. فقد واجهت الجمهورية العربية المتحدة مقاومة شديدة من قبل النخب التقليدية داخل كل بلد فضلًا عن الضغط الدولي خاصةً من الولايات المتحدة الأمريكية ودول أوروبا الغربية التي اعتبرت تلك التجربة تهديدا لأمنها الإقليمي واستقرارها الاقتصادي في المنطقة. وخلال أقل من ثلاث سنوات، انقلبت الأمور رأسا على عقب حيث شهد شهر سبتمير/ سبتمبرعام ١۹٦١ انفصال سوريا عنها مما أدّى إلى حلّ الاتحاد رسمياً وانتقال البلاد مرة أخرى لحالة الاستقلال الفردي لكل منهما.
هذه الفترة القصيرة نسبياً لكنها مليئة بالأحداث المثيرة للإعجاب تقدم درساً عميقاً حول تعقيدات بناء وحدات سياسية جديدة والسعي لتحقيق الأمن الوطني المستدام ضمن منظومة إقليمية معقدة ومتغيرة باستمرار مثل العالم العربي الحديث. إنها قصة تتطلب دراسة متأنية لفهم طبيعتها المعقدة وما يمكن استخلاصه منها فيما يتعلق بمستقبل العمل العربي المشترك اليوم وغداً.