الحصار المتواصل لعكا خلال الحملة الصليبية الثالثة: دراسة تفصيلية

في سياق الحملات الصليبية التي كانت لها تأثير كبير على التاريخ الإسلامي والعالمي، تبرز فترة حصار عكا كواحدة من أهم الأحداث. الحملة الصليبية الثالثة، وا

في سياق الحملات الصليبية التي كانت لها تأثير كبير على التاريخ الإسلامي والعالمي، تبرز فترة حصار عكا كواحدة من أهم الأحداث. الحملة الصليبية الثالثة، والتي بدأت عام 1189 ميلادي وامتدت حتى العام 1229ميلادي، شهدت حصار مدينة عكا لمدة ثلاث سنوات متصلة تقريبًا بين الأعوام 1189 إلى 1192ميلادي. هذه الفترة لم تكن مجرد محاولة للاستيلاء العسكري على المدينة فحسب؛ بل تعكس التحولات السياسية والدينية الكبرى آنذاك.

كان نظام الحكم داخل المملكة الفرنجية في الشام قد بدأ بالتدهور بعد وفاة الملك بلدوين الثالث سنة ١١٨٥ م . استغل صلاح الدين الأيوبي هذا الوضع لتجميع قواته وتحقيق انتصارات كبيرة ضد الفرنجة بما فيها معركة حطين الشهيرة سنة ١١٨٧ م . أدت هزيمة الجيش الصليبي في تلك المعركة إلى فقدان العديد من المدن مثل بيت المقدس ونابلس وحيفا وغيرها مما جعل عكا هدفاً رئيسياً للحملة الجديدة.

بدأت القوات الأوروبية رحلتها نحو الشرق بهدف إعادة فتح الطريق إلى الأرض المقدسة للمسيحيين الغربيين الذين يعتقدون بأن يسوع المسيح ولد ومات ودفن هناك. وقد قاد لويس التاسع ملك فرنسا الحملة برفقة زوجته مارغريت وفيلهلم الثاني ملك إنجلترا وخلفائه ريتشارد قلب الأسد بعد وفاة الأخير أثناء الرحلة البحرية عبر البحر الأحمر. وصلوا أخيرا إلى ساحل فلسطين واستولوا مؤقتاً على عدة مدن قبل التركيز على اقتحام حصن عكا القوي المحمي بشدة بواسطة السلطان صلاح الدين نفسه شخصياً.

استمر حصار عكا لفترة طويلة بسبب دفاعاته الجيدة والموقع الاستراتيجي الهام له. حاول القادة المسلمون بكل جهد ممكن صد الهجمات الصليبية ولكن سرعان ما تغير الأمر عندما توفي صلاح الدين الأيوبي يوم الجمعة الموافق ٢٦ فبراير/شباط الساعة الواحدة ظهراً حسب التقويم الميلادي لعام ١١٩٣ م تاركين خلفه فراغا قياديا هائلا أثّر كثيرا على القدرة الدفاعية للمجتمع المحلي والحكومة المركزية وقتها. ومع ذلك فإن موهبتهم العسكرية والإدارة الفعالة لنظامهم السياسي حافظتا على مقاومة شرسة رغم الظروف الصعبة.

بعد أشهر عديدة من المناورات العسكرية والصبر غير المسبوق، بدأ الإرهاق يحل بكلا الجانبين لكن النصر النهائي كان لصالح حملة القدس الثالثة حين دخلوها رسمياً بحلول نهاية أكتوبر لسنة ١١٩٢ ميلادية عقب تفاوض مطول حول شروط تسليم البلدة القديمة ضمن اتفاقيات سلام تدوم مدى الحياة كما جاء بموجب وثائق تاريخية معتمدة. وبذلك أصبحت عكا تحت سيطرة النظام الأوروبي غرب البحر المتوسط وأصبح بإمكان الروم الوصول بحرية للأراضي الفلسطينية طيلة العقود التالية.

إن قصة الحصار الطويل لمدينة عكا خلال الحروب الصليبية تعلم درساً عميقاً حول قوة الوحدة والتخطيط الدقيق والتكتيكات المدروسة والتي يمكن استخدامها بشكل فعال لتحقيق الانتصارات المستدامة وسط تحديات خارجية ضخمة وشرسة.


عاشق العلم

18896 مدونة المشاركات

التعليقات