"رحلة عبر الزمن: تطور مدينة قسنطينة الجزائرية منذ آلاف السنين"
النص المعدَّل:
كانت مدينة قسنطينة، الواقعة شرق الجزائر حاليًا، شاهدةً على مسيرة حضارية امتدت لآلاف السنوات. يعود الفضل لأبحاث الآثار والتاريخ إلى الإشارة بأن هذه المدينة الجميلة نشأت حوالي العام ١٤٥٠ قبل الميلاد عندما غادر عرب كنعان فلسطين للاستقر فيها. وأطلقوا عليها آنذاك اسم "سيرتا". شهد القرن الرابع قبل الميلاد دخول مدينة سيرتا ضمن دائرة نفوذ الملوك النوميديين الذين جعلوا منها عاصمة خاصة بهم. يعتبر الملك ماسينيسا واحدٌ من أكثر ملوك تلك الحقبة شهرة وحكمة حيث حكم ما بين عامي ٢۰۳ و١۴۹ قبل الميلاد. أسفر عصره عن مزيدٍ من الرقي والحضارة لقسنطينة التي انتزعها لاحقاً الرومان وقاموا بضمها لدولتهم المترامية الأطراف. وبعد مرور قرون عدة، حققت القوة المسيحية بزعامة قسطنطين الانتصار المؤزر في إطار الحملة الأفريقية لبسط النفوذ غرب البحر المتوسط مما أدى لتسميتها بهذا الاسم تكريمًا له.
مع ظهور الإسلام وانتشار رسالته السمحاء، بدأت مرحلة جديدة في تاريخ قسنطينة. لقد نجح المسلمون بغزو المغرب العربي وتمكين دولة الخلافة الإسلامية فيه بما فيه منطقة قسنطينة المعروفة حين ذاك باسم 'مدينة السلام' والتي اشتهرت باستقلاليتها ورقي تعاملاتها التجارية المحلية. ظل الوضع كذلك لغاية مطلع الألف الثاني ميلادية حيث تعرض للحروب والصراع السياسي مع مجاوريه كالدولة الحفصية التونسية وغيرها ممن سعوا لاحتلال المنطقة الغنية بالموارد الطبيعية والبشرية أيضًا. ومع نهاية الحكم التركي للعاصمة الشرقية للجزائر سنة ١٩۳۷، دخل الجيش الفرنسي ليضع نهاية طويلة المدى للحكم الذاتي والقومي لنظام مختلف تمام الاختلاف عمَّا سبقه ثقافيًا واقتصاديًا واجتماعياً. لكن شعب قسنطينة لم يستسلم ولم ينحن للأعباء الاستعمارية الخارجية، حيث ثار ثوار محليون وساهم المثقفون في نشر الوعي الوطني ودفع عملية تحرير الوطن الكبير ليسقط الاستعمار نهائيًا ويصبح يوم الاستقلال رمزًا للنصر والعزة الوطنية للدولة الجزائرية الحديثة سنة ۱۹۶۲ . إن قصة مدن مثل قسنطينة تحمل بين طيات صفحات التاريخ درسا مهما حول مرونة الشعوب العربية والإسلامية أمام تحديات زمن مختلفة ومتنوعة المناظر والجوانب السياسية والثقافية والدينية والمعيشية اليومية كذلك. إنها شاهد حي على رحلة المصائر الموحد ضد كل عدوان خارجية وضد كل محاول تسطيح للهويات الأصلانية المتنوعة للغرب الأوسط القديم ومازالت قائمة بذاتها رغم كثرة عوامل التفكيك والمقاومة المشروعة لها بإسم الحرية والكرامة الإنسانية البسيطة المنشودة لكافة أبناء البشر بلا تفاوت ولا فرق حسب نوع جنس الإنسان لون بشرته وجغرافية أصله.