الحكمة، حسب التعريف العربي التقليدي، تشير إلى الروية والتروي في الأقوال والأفعال. إنها القدرة على التفكير بشكل عميق ومنظم، وإصدار الأحكام بناءً على الحقائق والمعرفة الدقيقة. هذه المهارة ليست مجرد فضيلة شخصية فريدة، ولكنها أيضًا أحد أسماء الله عز وجل ووصف مهم من خصائصه. إن "الحكيم" ليس فقط مصطلح يستخدم للدلالة على شخص ذكي ومدرك، ولكنه أيضاً يدل على حكمته الإلهية التي ترشد البشرية وتوجه مساراتها بكل دقة وحكمة.
إن دراسة مفهوم الحكمة في الإسلام تكشف عن جوانب متعددة لهذه الصفة. فهي تشمل فهم عميق للعالم الطبيعي والمبادئ الأخلاقية والإرشاد الروحي. عندما نقرأ الآيات القرآنية مثل "(وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الْأَبْصَارُ)" [إبراهيم: 42]، فإننا نكتسب رؤية واضحة حول دور الحكم الإلهي في الحياة اليومية للناس. هنا، يتم التأكيد على أن تصرفات الله عملية مدروسة للغاية وليست نتائج عفوية أو غير متوقعة.
بالإضافة لذلك، توضح آيات أخرى أهمية الحكمة الإنسانية وكيف يمكن للحكيم حقاً أن يفهم ويعيش وفقاً لما يرضي الرب سبحانه وتعالى. فعلى سبيل المثال، قوله تعالى:"(يُؤْتِي الحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً وَمَا يَذَّكَّرُ إلاَّ أُوْلُو الأَلْبَابِ)"[البقرة: 269] يؤكد بأن أولئك الذين يحصلون على النعمة العظيمة - وهي الحكمة - هم بالفعل الأشخاص الأكثر سعادة ورزقاً.
ومن المهم الإشارة هنا إلى أن مفاهيم الحكمة تتضمن العديد من الجوانب المختلفة بما فيها الفهم العميق للدين والشريعة والقانون الطبيعي وخلق الأشياء بطريقة مثالية بدون نواقص أو تناقضات. وفي النهاية، فإن الشخص الحكيم يعرف كيف يستغل الثروات المقدمة له بحكمة واعتدال، مما يجلب له السلام الداخلي والسعادة الدائمة حتى لو كانت ممتلكاته قليلة نسبياً.
هذه الرحلة الاستكشافية حول طبيعة الحكمة تساعدنا على تقدير مدى أهميتها في حياتنا الشخصية والاجتماعية والدينية الشاملة. إن البحث المتواصل لفهم مدلولات الحكمة يساعدنا جميعاً على اتخاذ القرارات المؤثرة بإيجاب وبالتالي تحقيق حياة أكثر جمالاً وأكثر توافقاً مع المشيئة الالهية.