تعدّ الثلاثية الروائية التي كتبها الأديبة الجزائريّة أحلام مستغانمي واحدةً مِنْ أهم الأعمال الفنيَّة الحديثة في عالم النثر العربِيِّ؛ وهي تتميزُ بطابعٍ فريد ومفعَم بالمشاعر الإنسانيَّة والتاريخ الشخصي العاصِف لأحلام نفسها. هذه الرحلة literary عبر "ذاكرة الجسد"، و"فوضى الحواس"، وأخيرًا "الغريب الذي أنا" تستعرض رحلة حياة مليئة بالمآسي والنجاحات والشخصيات القويَّة المؤثرة.
بدأت ثلاثة أعمال مستغانمي الأولى، "ذاكرة الجسد"، عام 1997 والتي سرعان ما لاقت استقبالاً حاراً وحازت شعبية واسعة بسبب قصتها الشخصية الشجاعة والمعبرة عن التجربة الجزائرية خلال الحرب الأهلية الدموية. الدخول إلى ذاكرة هذه المرأة هو سعي عميق نحو فهم الذات والمصالحة مع الماضي بينما تحاول التعامل أيضًا مع الألم والخسارة المتصاعدة حولها. إن طريقة سرد الحبكة وتشابكه بين الزمان والمكان تُضيف طبقة تعقيد غنية لهذه الرواية.
تناولت الجزء الثاني من المثلث، "فوضى الحواس"، التي نُشرت سنة ٢٠٠٣، الجانب الأكبر من الحياة الخاصة لمستغانمي بما فيها علاقاتها العديدة والحياة الثقافية والدبلوماسية بفرنسا - البلد الذي اختاره المؤلف كبيئة رئيسة للأحداث لتناقضات المجتمع الغربي والعالم العربي بشكل أكثر تحديدًا. تتعمّق "مستغانمي" هنا في قضايا الهوية والثقافة وعلم النفس البشرية داخل منظومة اجتماعية معقدة وغنية بتنوعاتها الاجتماعية والفكرية المختلفة.
في آخر حلقة ثلاثية الأحلام، "الغريب الذي أنا"، صدرت عام 2016 بعد فترة طويلة نسبياً منذ عملها السابق الأخير، قدمت لنا صورة جديدة للمرأة العربية وكيف تواجه تحديات الواقع اليومي وسط بيئتين ثقافيتين مختلفتين هما الشرق والغرب. إنها قصة شخصية ومعبرة للغاية، تكشف عن نواحي غير معروفة سابقًا من حياتها الشخصية وتجاربها المكتظة بالأحداث حتى أنها شخصيتها المدخل لنظر العالم المحيط بها. كل هذا بالتوازي مع الضوء المنبعث منه خلفية تاريخ وثقافة البلاد الأم الجزائر وبالتالي يؤكد مدى ارتباط كاتبتها بتاريخ بلادها وجرحها الصادق.
وبذلك نجحت أحلام مستغانمي بسرد مجموعة رائعة ومتكاملة من القصص تحت مظلة اسم واحد وهو اسم مؤلفته أيضا مما يجعلها رمزا فريدا ضمن الإنتاج الادبي الحالي للنصف الثاني القرن الحديث . لقد تركت بصمة بارزة ونالت مرتبة متفردة كأحد أشهر كتاب عصرنا الحالي حيث أثارت حوار شعبي كبير وشكلت مرجع أساسي لفلاسفة وروائييين شباب عرب محتشمون بأنفسهم وساعون لاستلهام طرق كتابة مبتكرة وفريدة حققت لها مكانة خاصة لدي القرَّاء والمختصين علي حد سواء طوال عقود قادمة بإذن الله تعالى...