في قلب الحضارة والثقافة الإنسانية، كانت مدينة أثينا اليونانية تنبض بالحياة الفكرية والصراع السياسي والفكري. رغم غياب الوسائل الحديثة للإعلام مثل الصحف والراديو والتلفزيون، وجدت الجماهير والشخصيات البارزة طرق مبتكرة لممارسة ما يمكن وصفه اليوم بالـ"حرب الإعلامية". لقد اعتمدت هذه الحروب على أدوات مختلفة تتضمن المسرحيات الدرامية، المحاكم العامة، المناسبات الدينية، والكلام الناري - كل ذلك بهدف التأثير على الرأي العام وخلق دعم للقضايا السياسية والدينية والأخلاقية المختلفة.
استغل الرومان القدماء هذا النهج أيضًا بشكل بارز؛ فرجل الدولة الشهير ألكساندر الكبير استخدم العناصر البصرية من خلال وضع تمثاله فوق المباني العمومية وأوراق العملة المعدنية لديه صورة شبهه. وفي وقت لاحق، برز نجم الدكتور مارتن لوثر كينغ جونيور كممثل رئيسي للحقوق المدنية الأمريكية، مستخدماً مهاراته الخطابية الرائعة جنباً إلى جنب مع قوة التعليم والكتاب المكتوب يدوياً للحفاظ على زخم حركة الحقوق مدعومة بتأييد شعبي واسع. وعلى الجانب الآخر، قام معارضوه بمقاومتهم مباشرة باستخدام أساليبه الخاصة لهم بنفس الأدوات القائمة على وسائل الاتصال والإعلام المتاحة حينئذٍ.
ومن هنا يبرز لنا دور "الحرب الإعلامية"، فهي ليست وليدة عصرنا الحديث فقط وإنما هي ظاهرة موجودة منذ القدم واستمرت حتى يومنا الحالي. إنها عملية متطورة ومستمرة تستهدف توجيه وتغيير الرأي العام لصالح قضية معينة بناءً على مجموعة متنوعة ومتنوعة من الطرق والموارد المتاحة للمستخدم. وبالتالي فإن فهم طبيعة وشكل تلك الحملات الإعلامية وما يأتي منها أمر ضروري لفهم ديناميكية النظام الاجتماعي والسعي نحو تحقيق العدالة الاجتماعية والقيم الأخلاقية المستدامة.