أوروك، الكائن في قلب بلاد الرافدين الحالية بالعراق، هو بلا شك أقدم مدن الأرض. بدءاً من إنشاءها حوالي العام 4500 ق.م. بواسطة الملك السومري انميركر بحصر مستوطنتين صغيرتين للعمال تحت حكم واحد، أصبحت أوروك رمزاً للتطور البشري المبكر. كانت المدينة مركزاً حضارياً رئيسياً منذ نصف الألفية الثالثة قبل الميلاد، حيث بلغ قطرها حينئذٍ نحو ستة كيلومترات مربع مما جعلها الأكبر عالمياً آنذاك.
في أساطير العصور الأولى، مثل تلك الموجودة في ملحمة جلجامش الشهيرة، تعتبر أوروك نقطة بارزة بسبب بنائها للسور الكبير والذي كان حاجز دفاعي رئيسي. كما شهدت المدينة توسع قبيلة سومر بشكل كبير عبر جنوب غرب آسيا حتى سوريا، وقد لعب دور بارز في السياسة المحلية ضد القبائل الأخرى بما فيها العيلاميين.
العمارة والتاريخ الثقافي لأوروك غني للغاية. تشمل هندستها المتقدمة معابداً ضخماً مثل "معبد الحجر" ومعبد السماء بالإضافة لقاعات كبيرة ومعبدان أحدهما أحمر والثاني أبيض وكذلك محاكم وكنائس متعددة.
كانت رحلات الاستكشاف الأولى المدروسة لهذه المدينة الرائعة في الأربعينيات من القرن التاسع عشر بإشراف ويليام لوفتس الذي جمع كم هائل من الاكتشافات الاثرية. أما في مطلع القرن العشرين فقد قام و Alter Andrae والكثير آخرون باستكشاف المزيد واكتشفوا عدة آثار مهمة منها سور المدينة ومعابد عشتار ذات التصميم المذهل المصنوع من الطوب والفخار الملون. يعد هذا الاكتشاف جزءاً مهماً من الصورة العامة للحياة الاجتماعية والعادات الدينية والعمرانية لسكان أوروك الأوائل الذين مهدوا الطريق لأنظمة حكومات أكثر تعقيدا وتعزيزاً للتجارة والإنتاج الزراعي والصناعة اليدوية - كل هذه العناصر المشتركة التي اعتبرت ضرورية لبقاء واستقرار أي مجتمع بشري.
ومن خلال الدراسات المختلفة للأثار المكتشفة هناك يمكن تتبع قصة نمو واحتضان المدن المبكرة للقوانين والنظم السياسية والمبادئ الأخلاقية مما شكل اللبنات الأساسية لحضارات لاحقة وبالتالي يساهم بفهم أعمق لنا كبشر وأصول تطور المجتمع الإنساني.
