إن الحديث عن "قبل الميلاد" لا يعود فقط إلى كونها فترة زمنية محددة وفقًا لتاريخ البشرية المعتمد؛ بل إنها مرحلة حافلة بالأحداث والمعرفة التي تشكل أساس فهمنا للتقدم البشري والتقاليد الدينية العالمية.
مع اعتماد النظام الزمني الحالي، والذي بدأ بميلاد يسوع المسيح عليه السلام، أصبح من الضروري وجود طريقة لتحديد الأوقات السابقة لهذه اللحظة المحورية. يُعبر مصطلح "قبل الميلاد"، المعروف أيضًا بـ BC بالإنجليزية، عن الفترة الزمنية الواقعة قبيل ميلاده. قد يبدو الأمر غريبًا الآن، ولكن فعالية هذا التصنيف تكمن في قدرتها على تنظيم أحداث الماضي ضمن تسلسل منطقي يفيد الدراسات التاريخية والدينية.
لم يكن إدراج فترة ما قبل الميلاد مجرد قرار عشوائي. لقد أتى ذلك بناءً على عمل دقيق قام به مؤرخ معروف باسم بيدي، حوالي عام 525 ميلادية. وكانت مساهمته مهمة للغاية لأنها أدت إلى إضافة طبقة جديدة من التعقيد والفهم لفهم الخطوط الزمنية القديمة. وهذا يعني أنه بالإضافة إلى تقويم Anno Domini (AD) - أول استخدام متسق لنظام التسلسل الزمني المرتكز حول الميلاد القائل بأن "السنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى للسنة الأولى". التاريخ في القرن الأول - هناك جانب آخر ضروري تمامًا هو تحديد السنوات التي سبقت الحدث المركزي نفسه - ميلاد السيد المسيح.
كانت العصور التي سبقت ميلاده مليئة بالتحديات والاستكشافات العلمية والثقافية الهائلة. إن قوة هذه الحقبة تتمثل في طول مدتها نسبيًا بالمقارنة مع الوقت بعد ميلاده مباشرة. ومن بين جميع الآثار المهمة التي تركتها هذه الفترة الطويلة نسبياً، نرى بروز دور الوحي الإلهي عبر رسالات سماوية مختلفة قبل مجيء سيدنا عيسى ومحمد صلى الله عليه وسلم كرسلين أخيرين لإظهار طريق الهداية والحياة للأجيال القادمة.
ومهما بلغ تأثير هاتين الشخصيتين الروحيتين الكبيرتان، فإن الأحداث الجارية خلال سنوات ما قبل الميلاد كانت متنوعة ومتعمقة. تمتعت المجتمعات بتنوع ثقافي وضارب الجوانب السياسية والعسكرية مما شكل العمود الفقري للتراث العالمي الذي نعرفه اليوم. ولذلك، عندما ندقق بصورة خاصة في تفاصيل حياة الإنسان القديم وكيف تطورت حضارات وثورات عظمى وسط تحديات بيئية واجتماعية وجغرافية متفاوتة الظروف؛ يمكن لنا استخلاص رؤى قيمة حول طبيعة الكائن البشري واستعداداته المتواصلة للمضي قدمًا بكل عزيمة وإصرار نحو مستقبل مجهول ولكنه مشرق دائماً بإمكانات لا نهاية لها!
إن المتابعة البحثية والجهد المبذول لدراسة عصر ما قبل الميلاد يستحق الثناء لما يحمله من كنوز ومعارف تنير درب تقدم البشرية وتؤكد على رباط ترابط ذاكرتهم بتاريخ آبائهم وأصول خلقتهم التي تتجسد بالفعل الحي لكل بلد وشعب مختلف دون انتفاء اختلافات أفراد مجتمعاتها فيما بينهم والتي تعد جزءا أصيلا من جوهر الإنسانية جمعاء بغض النظرعن زمان ومكان ظهورها طالما أنها تعكس تناغم عناصر الخلق المبدئي وغنى أشكال الحياة الاجتماعية المختلفة تحت ظلال مظلات الدين والصلاح والخير المطلق المنشود!