تنطلق القصة التي نحكيها اليوم إلى عمق التاريخ البشري، حيث نستعرض رحلات الإنسان الجبارة في بناء وتطور الحضارات عبر العصور. بدايةً، كانت أولى محاولات البشر لتشكيل مجتمعات منظمة مبنية حول أسس مشتركة للتعايش والتواصل الاجتماعي. هذه المجتمعات المبكرة ظهرت عادة بالقرب من مصادر المياه الغزيرة والأرض الخصبة، مما سهل عملية الزراعة والحياة المستقرة.
في الشرق الأوسط القديم، برزت حضارتان رائدتان هما سومر وبابل. سومر، المعروفة أيضًا باسم "وطن الرافدين"، شهدت ظهور الكتابة لأول مرة حوالي عام ٣٠٠٠ قبل الميلاد. قدم السومريون نظاماً كتابياً باستخدام ألواح الطين المسجّل عليها باللغة الأكادية، مما أدى إلى تطوير اللغة المكتوبة بشكل كبير. وعلى الجانب الآخر، استمرت حضارة بابل في تطور الفكر القانوني والديني؛ فقد وضع الملك حمورابي قانون حمورابي الشهير سنة ١٧٥٤ ق.م تقريبًا والذي يعتبر أحد أقدم النظم القانونية المتكاملة حتى يومنا هذا.
ثم انتقل بنا السياق نحو مصر القديمة، تلك الدولة التي بنيت أساساتها بواسطة الفرعون نارمر وحلفائه المحاربون تحت اسم "النجم الأحمر". تميز المصريون القدماء بتخطيطهم الهندسي الرائع والمعرفة العلمية الدقيقة؛ فكانت أهرامات الجيزة شاهداً حيّاً على براعة المهندسين والمعماريين آنذاك، كما لعب الطب دوراً محورياً في حياتهم اليومية. وقد اكتسبت الثقافة المصرية شهرتها الواسعة بسبب الأدوات الجمالية مثل التماثيل واللوحات الجدارية الملونة والتي تزين معابدهم والمقابر الخاصة بهم.
وفي اليونان القديمة أيضاً، ازدهرت الحضارة خلال فترة ما يعرف بالعصر الكلاسيكي بين القرن الخامس والثالث قبل الميلاد. أثينا، المدينة الأم لهذه الفترة الزاهرة، خلفت إرثا ثقافياً وفكرياً غنياً بفضل أفكار الفلاسفة العظام أمثال سقراط وأفلاطون وأرسطو الذين تركوا بصمة واضحة داخل النظام السياسي والعلمي والفلسفي للعالم الغربي لاحقاً. كما عرف العالم حينئذٍ عظمتَي الشعر هوميروس وفسيلودوس اللذَين كتبا "الأوديسة" و"الإلياذة" -إليهما يعود فضل توثيق تاريخ الحرب الطروادية وصعود روما فيما بعد-.
وأخيراً وليس آخراً، فإن الإمبراطوريات الرومانية والإسلامية قد ملأت مساحة كبيرة جداً ضمن خريطة العالم الحديث بمحتوياتهما الثراء المعرفي الكبير واستمراريتها حتى عصر النهضة الأوروبية الحديثة وما تبعتها من نهضات علمانية وعقلانية متلاحقة منذ ذلك الوقت ولغاية وقتنا المعاصر الحالي! إنها حقاً "رحلات الحضارات الإنسانيّة"!