علم البلاغة هو أحد أهم العلوم التي تهتم بدراسة اللغة العربية وآدابها، وقد شهدت مسيرة طويلة ومعقدة منذ ظهورها حتى يومنا هذا. يعود تاريخ أول ذكر لعلم البلاغة إلى العصر الجاهلي حيث برز العديد من الشعراء الذين كانوا يمتلكون مهارات بلاغية فريدة مثل امرؤ القيس وعمرو بن كلثوم. لكن بداية تشكيل وتنظيم هذه الفروع العلمية جاءت مع بداية عصر الإسلام وانتشار الثقافة الأدبية المرتبطة بالإسلام.
كان لأهل المدينة المنورة دور كبير في تطوير مبادئ البلاغة، ومن أشهر علمائها أبو الأسود الدؤلي الذي يُعتبر مؤسس النحو العربي الحديث والذي ساعد بشكل مباشر في تنظيم قواعد اللغة العربية وبالتالي دعم أساسيات دراسة البلاغة. وفي بغداد، ازدهرت حركة النشر والمناقشة حول فنون الخطابة والبلاغة خلال القرن الثاني الهجري، مما أدى إلى ظهور كتابات بارزة مثل "البيان والتبيين" لأبي هلال العسكري وكتاب "الأصول" لابن جنّي.
في العصر الأموي، اتخذ علم البلاغة منحنى جديد عندما بدأ التركيز على استخدام اللغة كأداة مؤثرة للتعبير السياسي والديني. كتب الخلفاء والأمراء أمثال الوليد بن عبد الملك والمغيرة بن شعبة رسائل مميزة تعكس براعتهم البلاغية. كما ساهم البلغاء والقادة السياسيون الآخرون في توسيع نطاق وموضوعات البلاغة لتشمل المجالات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية أيضًا.
بحلول العصر العباسي، ظهرت المدارس البلاغية الكبرى مثل مدرسة البصرة ومدرسة الكوفة والتي قدمت إسهامات كبيرة في مجالات النقد الأدبي والنثر والشعر. أسماء مشهورة كالجرجاني وابن الأثير وابن خلدون تركوا بصمة واضحة باستخدام تقنيات مختلفة ومتنوعة لتحليل النصوص الشعرية والنثرية وتحسين فعالية الاتصال الشفهي والمكتوب.
مع مرور الوقت، واصل باحثون وأساتذة لاحقون تحديث وتعزيز فهمهم لبلاغة القرآن الكريم والاستشهاد بالأمثلة الواقعية لدعم نظرياتهم الجديدة المتعلقة باللغة والإلقاء والكلام بشكل عام. اليوم، يستمر إرث علم البلاغة في التأثير على الدراسات اللسانية والمعجمية الحديثة، مما يؤكد دوره الطويل الأمد كمجال ذو قيمة دائمة للعلاقة بين البشر واللغة العربية الرائعة خصائصها وفرادتها.