من بين الشعوب الأكثر تأثيراً في التاريخ العالمي هم المغول، الذين نشأوا في صحاري آسيا الوسطى خلال القرن الثاني عشر الميلادي. قاد جنكيز خان، المؤسس الحقيقي للإمبراطورية المغولية، حملات استراتيجية أسفرت عن قيام واحدة من أكبر الإمبراطوريات غير المنقسمة في تاريخ البشرية. كانت قوة هذه الامبراطورية هائلة؛ فقد امتدت عبر مناطق شاسعة تشمل الأجزاء الجنوبية الشرقية لأوروبا وأجزاء كبيرة من الصين وآسيا الوسطى.
بدأت قصة المغول كقبائل ريفية صغيرة تحت حكم قبيلة بورجيد، والتي انبثق منها لاحقا عشيرة يواناي، والتي عرفت فيما بعد بالاسم الشهير "المغول". لعبت البيئة الصعبة التي عاش فيها المغول دورًا مهمًّا في تشكيل ثقافتهم وتقاليدهم القتالية. لقد اعتمدوا نمط حياة بدوي، مما سمح لهم بالتحرك بحرية والاستعداد للقتال الفوري عند الحاجة. بالإضافة إلى ذلك، لم يتمتع المغول بنظام كتابة خاص بهم حتى فترة متأخرة نسبيًا، وذلك يعكس طبيعتها الرحالة ويبرز الاعتماد الكبير لديهم على اللغة الشفهية والحكايات الشعبية لتسجيل التاريخ والنقل الثقافي.
كان زعامة الجنرالات مثل سبوداي باي وزانجي وسبلاتين هما نواة البنية العسكرية للمغول. ولكن كان زعيمهم الأعلى، جنكيز خان نفسه، هو الذي شكل الرؤية الاستراتيجية والإدارة المركزية لهذه القوة الفتاكة. أدخل نظاماً جديداً لجمع الضرائب والقضاء وبرامج البريد - وهو ما يعرف الآن باسم "الراسين"، وهي شبكة نقل فائقة السرعة من الجمال والمراسلين البشريين. هذا النظام ساعد بشكل كبير في تعزيز التواصل وكفاءة الحكومة داخل إمبراطوريته المترامية الأطراف.
في عام 1206 ميلادية، أصبح جنكيز خان أول إمبراطور مغولي رسميًا بعد عقد مؤتمر كوراتاي الثالث. هنا تم تحديد القانون الموحد المعروف بـ "الياس"، والذي وضع مجموعة من الأعراف والعادات التي تحكم كل جوانب الحياة ضمن الإمبراطورية المغولية الواسعة. رغم بشاعة بعض القرارات المرتبطة بتطبيق هذه القواعد، إلا أنها عملت كميثاق اجتماعي ومعيار للحياة وحماية حقوق المواطنين والجماعات المختلفة ضمن الإمبراطورية.
بعد وفاة جنكيز خان عام 1227 ، قسم ابنه الأكبر أوغدي الدولة بين أبنائه الثلاثة الآخرين: خاتون وأوقوغاي وتولي. وانتهى الأمر بالإمبراطورية بحلول نهاية القرن الثالث عشر بأيدي حكام آخرين، بما في ذلك هولاكو، الذي ضم العراق ومصر والأقطار الأخرى إليه قبل سقوط بغداد عام 1258 . شهدت الفترة التالية ظهور الخلافةيلخانيّة بمراكزها الرئيسية في إيران وتركستان الحديثة. ومن الجدير بالذكر أيضًا تأثير ابن توكتي، مؤسس الدولة الجاغاطاوية، الذي وسّع النفوذ المغولي غربًا نحو أوروبا الشرقيَّة والبحر الأسود وما وراء النهر.
على الرغم من الانقلابات الداخلية والصراعات الطائفية والثورات المستمرة ضد الحكم المغولي الأوروبي، ظلَّ وجود القوات المُغرِيّة بارزاَ طوال القرنين التاليين تقريبًا منذ ولادة دولة مُغوِل أصيلة جديدة يُطلق عليها اسم الإمبراطوريهِهِتايونِجهُنْدُوشْتيانسكي ("الإمبراطوريهُ المختلطَه") والتي سيطرت معظم اراضي جنوب روسيا حالياً وجزء كبير جداً من أراضي فارس القديمة كذلك!
وفي النهاية، يمكن اعتبار رحلة المغول مقدمة لدولة عالمية واسعة التأثير تركت بصمتها على العديد من المجتمعات والثقافات حول العالم حتى يومنا الحالي.