طارق بن زياد، الشخصية التاريخية المرموقة التي تركت بصمة عميقة في تاريخ الإسلام والوطن العربي، يعتبر أحد أشهر الشخصيات العربية المسلمة في العصور الوسطى وأحد أهم القادة العسكريين الذين ساهموا في توسيع حدود الدولة الأموية. اسمه مرتبط بشكل لا ينفصم باحتلال الأندلس وانتشار الإسلام فيها، مما جعله رمزاً للفتوح والإنجازات الاستراتيجية.
ولد طارق بن زياد في قرطبة الأندلسية عام 695 ميلادي تقريباً، ونشأ وسط عائلة ذات خلفية نوبية نبيلة. انتمى إلى قبيلة البرانس النوبية الشهيرة والتي كانت لها مكانة مميزة لدى الخلفاء الأمويين. بدأ مسيرته كجندي شاب تحت قيادة موسى بن نصير، القائد العام للحملات الغزوات الإسلامية في المغرب والأقاليم الشمالية الإفريقية آنذاك.
ساهمت خبرة طارق العسكرية ومهاراته القيادية البارزة في تعزيز مكانه ضمن صفوف الجيش المغربي. كان دوره المحوري خلال معركة جبل طارق سنة 711 م، عندما عبر الجزيرة بإرشاده نحو ما يعرف الآن بالمملكة المتحدة البريطانية حالياً. تعد هذه الحملة بداية فترة طويلة من الحكم الإسلامي للأندلس واستمرت لأكثر من ثمانمائة عام حتى سقوط غرناطة عام 1492 ميلادية.
بعد نجاح حملاته الناجحة ضد المسيحيين في الشمال الإسباني، تم تكليف طارق بلقب "والٍ" - وهو لقباً يُستخدم للإشارة إلى حاكم إقليم محدد - وقد حكم منطقة الأندلس بما فيها مدن كثيرة مثل قرطبة وإشبيلية ومالقة وغيرها لمدة قصيرة قبل انتقال السلطة إلى عبد الرحمن الداخل فيما بعد. رغم ذلك، حافظ الرجل الكبير ذائع الصيت على مكانته الخاصة واحتفظ بتقديره بين الناس لكونه مؤسس أول دولة إسلامية مستقلة داخل أوروبا المعاصرة.
إن قصة حياة هذا الفارس المجاهد تحمل دروساً عديدة حول العمل الجاد والصبر والشجاعة أمام التحديات الهائلة والتخطيط المدروس لتحقيق الانتصار العظيم لإرادة الله تعالى ولرفع راية الدين الإسلامي خفاقة عالية فوق سماء العالم القديم والعصور اللاحقة أيضاَ . إنها تحفة أدبية حافلة بالإثارة والحكمة الإنسانية العميقة لكل من يرغب بمراجعة تفاصيل تلك السنوات السابقة وما تخبئه لنا من تجارب وعبرها المستمرة بلا نهاية ولا زالت تشكل مصدر إلهام للملايين ممن جاءوا بعد أيام الفخار والسيف والنصر المؤزر!