كانت الثورة الصناعية ظاهرة اجتماعية واقتصادية هائلة ألقت بظلالها على القرن الثامن عشر والتاسع عشر، مما أدى إلى تحول جذري في الطريقة التي يعيش بها الناس ويعملون ويستهلكون المنتجات. هذه الحركة التحويلية لم تكن محصورة بمكان واحد؛ بل كانت نتيجة لعدة عوامل متشابكة ومتفاعلة عبر أوروبا الغربية ودول أخرى ذات اقتصادات ناشئة خلال تلك الفترة الزمنية.
بدأت النوى الأولى للثورة الصناعية عادةً في بريطانيا العظمى، والتي غالبًا ما تُشار إليها باعتبارها "أم الثورات الصناعية". وذلك يرجع جزئيًا إلى مجموعة من الظروف الفريدة التي توافرت هناك مثل موارد الطاقة المتاحة بكثرة - خاصة الفحم - ووجود شبكات نقل جيدة وأنظمة قانونية داعمة للأعمال التجارية والمخترعين. بالإضافة إلى ذلك، قدمت التجارة البحرية البريطانية فرصاً كبيرة للتوسع العالمي وتوفير المواد الخام اللازمة لإنتاج المصانع الجديدة.
ومع ذلك، فإن التأثير الواسع للثورة الصناعية امتد أيضًا خارج حدود المملكة المتحدة. شهد كل من ألمانيا وبلجيكا والسويد دفعات مبكرة للإنتاج الثقيل والصناعات المعدنية. بينما اشتهرت فرنسا بصناعة النسيج الحديثة وبرامج التعليم التقني المتقدمة آنذاك. حتى في الولايات المتحدة الأمريكية، بدأت علامات أولية للتنمية الصناعية مع ظهور مصانع القطن الضخمة في نيو إنجلاند بعد الحرب الثورية الأمريكية مباشرةً.
إلا أنه ينبغي ملاحظة بأن عملية التصنيع لم تتقدم بالتساوي عبر جميع المناطق والأوقات. كان لكل مجتمع تحديات ومزايا فريدة الخاصة به أثناء رحلته نحو الاقتصاد الحديث. إن فهم مكان ولادة واستمرار نمو هذا التحول العملاق ليس فقط تاريخياً مثيراً للاهتمام ولكنه أيضاً له دروس قيمة يمكن استخلاصها عند النظر في مستقبل التنمية العالمية.