يعد القاضي عبد الوهاب شخصية بارزة في التاريخ القانوني والثقافي للعرب، وقد ترك بصمة لا تمحى عبر مسيرته التي امتدت لأكثر من خمسين عامًا من الخدمة العامة. وُلد القاضي عبد الوهاب في قرية صغيرة في شمال العراق في العام 1875، ونشأ وسط عائلة تقليدية تحترم العلم والقانون. منذ صغره، كان لديه شغف عميق بالقراءة والاستيعاب، مما سهل عليه تعلم الفقه الإسلامي والشريعة العربية.
بعد تلقي تعليم محلي متقدم، التحق بالمدرسة المركزية للعلوم الدينية في بغداد، حيث طور معرفته العميقة بالشرع والقوانين الإسلامية. هذه المعرفة ستكون بمثابة أساس قوته كقاضي ومستشار قانوني فيما بعد. رغم العقبات التي واجهها خلال فترة الاستعمار البريطاني والعراقية الداخلية، ظل القاضي عبد الوهاب ملتزمًا بشدة بتقديم العدالة والحفاظ على الحقوق المدنية لمواطنيه العرب.
بدأ حياته المهنية كمستشار شرعي في المحاكم المحلية، لكنه سرعان ما برز بسبب تفانيه وتفكيره المستقل في القرارات القانونية. وفي نهاية المطاف، أصبح عضواً رئيسياً في المجلس التشريعي العراقي الجديد عقب الحرب العالمية الأولى، حيث عمل بلا كلل لوضع قوانين عادلة وتعزيز حقوق الإنسان. كانت رؤية القاضي عبد الوهاب تتمثل في مجتمع يرتكز على مبادئ العدالة الاجتماعية والمساواة أمام القانون - وهو هدف استمر العمل نحوه طوال خدمته الطويلة.
خلال فترة توليه رئاسة المحكمة الشرعية المركزية في بغداد، شهد الكثيرون قدرته الخارقة على فهم التعقيدات القانونية والإنسانية للمسائل المعروضة أمامه. لم يكن فقط نابغا في التطبيق الصارم للقانون؛ بل كان أيضاً حكيماً في تخفيف الأحكام عندما كانت الظروف تستدعي ذلك. وبذلك, حقق توازنًا نادرًا بين الحزم والمراعاة الإنسانية.
وفي السنوات الأخيرة من حياته، واصل القاضي عبد الوهاب الدفاع عن حقوق الفقراء والضعفاء. فقد أسس جمعيات خيرية قدمت المساعدة المالية والدعم القانوني للأسر المحتاجة. حتى وفاته عام 1964، ظلت رسالته واضحة – أنه يمكن تحقيق العدالة من خلال التعليم والتوعية بالإضافة إلى التدخل القانوني الرسمي. لقد عاش حياة مليئة بالتحديات ولكنها غنية بالإنجازات التي أثرت بشكل كبير على تاريخ العراق الحديث وعلى العالم العربي الأوسع.