تُعدّ الثورة العربية الكبرى حدثاً بارزاً في التاريخ العربي الحديث، والتي اندلعت ضد الحكم العثماني بعد سنوات طويلة من الظلم والاستبداد. بدأت هذه الحركة الفدائية عام 1916 وأسفرت عن تحرير العديد من الأراضي العربية من قبضة الدولة العثمانية المتهاوية آنذاك. يسلط هذا المقال الضوء على أهميتها ودورها المحوري في تشكيل مسارات القومية العربية واستقلال الدول الوليدة.
في خضم الحرب العالمية الأولى، اجتمع زعماء عرب تحت قيادة الأمير فيصل بن الحسين لإطلاق شرارة ثورة عربية واسعة النطاق هدفها الرئيسي طرد القوات التركية وإنشاء دولة عربية مستقلة ذات سيادة. انطلق الشعار الشهير "الله أكبر"، ليتردد صداه عبر الصحراء الهادرة والشعوب المعذبة تحت وطأة حكم الإمبراطورية العثمانية الطويل والمظلم. قاد أبناء القبائل والحضر عملاً فدائياً متعدد الجبهات، حيث اشتبكوا مع قوات الاحتلال وجنوده المنقسمين بين ولاءات مختلفة.
كانت البدايات حاسمة عندما نجح الثوار العرب بقيادة الشريف حسين بن علي ونجله الأمير عبد الله وعقيلته هاشم، بالإضافة إلى قائدين محترمين آخرين أمثال فوزي القاوقجي ونوري السعيد، بإعلان الجمهورية المؤقتة في مدينة حائل السعودية الشمالية الغربية خلال العام ١٩١٦ م ، مما مثل نقطة تحول مهمّة نحو تحقيق الهدف الأكبر وهو بناء كيانات وحكومات مستقبلية تستمد شرعيتها مباشرة من الشعب نفسه وليس من سلطة خارجية مهما اختلفت دوافع وجودها وتأثيرها هناك .
استمرت الأعمال العدائية بشكل مكثف لتشمل مناطق واسعة تمتد من سوريا والعراق حتى اليمن ومصر والبحر الأحمر وفلسطين والأردن وغيرها الكثير؛ وقد شهد العالم تغيرات عميقة حين تدخل بريطانيا وفرنسا لصالح الجانبين المختلفين ضمن اتفاق سرّي يسمى "سايكس - بيكو". ومع ذلك، واصل المجاهدون العرب مواجهتهم البطولية رغم اختلال توازن القوى العسكري والمعنويات المضطربة لدى بعض الأحرار بسبب تلك التدخلات الخارجية المقيتة سياسياً واجتماعياً وثقافياً أيضاً.
على الرغم من انتصار الحلفاء الأوروبيين وانتهاء الحرب العالمية الأولى رسمياً سنة ١۹۱۹ ميلادية ، فإن نيران الصراع الداخلي ظلت مشتعلة داخل حدود الوطن الواحد، إذ كانت المطالب بالاستقلال الوطني المشروع والتخلص النهائي لنظام التقسيم العنصري غير مقبول بالنسبة لأصحاب الأرض الأصليين الذين دفعوا ثمناً غاليًا دفاعاً عنها دفاعهم عنها منذ قرون ماضية. وبالتالي نشأت دول جديدة كالاردنية والسعودية والعراق وسوريا التي استقلَ كلٌ منها لاحقا بينما بقيت فلسطين محتلة وفق قرارات مؤتمر سان ريمو المؤرق بتاريخ يونيو/حزيران للعام ذاته وما تبعه فيما عرف باتفاق سايكس –بيكو الخائن للعروبة والقومية المستوحاة من دين الإسلام ومن تراث حضاري أصيل.
وفي نهاية الأمر يمكن اعتبار هذه الفتنة المصطنعة فرصة للتذكير بأن الشعوب المتحكمة بالقوة لها الحق الطبيعي بممارسة حق تقرير مصائر شعوب أخرى ممن يخضعونه بحكم الواقع السياسي فقط وليس حسب أي منطلق قانون عالمي شامل يأخذ بعين الاعتبار حقوق الإنسان الأساسية ويضمن سلامتها وصون كرامتها الإنسانية وكرامتهم جميعا بلا تمييز مزمن يحاول البعض فرضَه سنينا خلف الأخرى ليحول حياة المرء لمجرّد عبيد دون قدرة فعل فعلا أمام مطامع الغازيين المعتدين باستمرار . إن ذكرى الانتفاضات العربية ستبقى محفورة للأجيال المقبلة كمصدر إلهام للقوة الداخلية للمجتمعات وإفشال مخططات الاستعمار الحديثة التي تسعى لبسط هيمنتها اقتصاديًا واقتصاديًا أيضًا!