في فترة ما قبل ظهور الدين الإسلامي، كانت المجتمعات العربية تنعم بتراث غني من الأفكار والمعارف التي شكلت أساساً لتاريخها وتقاليدها المتنوعة. يُطلق عادةً على هذه الفترة "الجهلية"، وهي تصور خاطئ إلى حد كبير لأنها شهدت نشاطاً فكرياً حيوياً يظهر بشكل واضح في مظاهر عدة من حياة العرب آنذاك. هذه الدراسة ستستعرض بعض أهم جوانب هذا الإرث العقلي الغني لدى القبائل العربية.
أول مظاهر التفكير العربي الجديرة بالذكر هي الشعر والأدب. لقد اعتبر الرواة القدماء، مثل كعب بن زهير وحسان بن ثابت رضي الله عنهما، معاصري تلك الحقبة الأدبية الذهبية. كان الشعراء يستخدمون لغتهم البلاغية للتعبير عن مشاعرهم وأحلامهم وأفكارهم السياسية والدينية. العديد من الأشعار تعكس نظرة متقدمة للوجود والحياة والموت، مما يشير إلى مستوى عالٍ من النقاشات الفلسفية بين الناس.
بالإضافة لذلك، برز نظام التعليم غير الرسمي عبر القصص الشعبية والتقاليد الشفهية. تم نقل الخرافات والأساطير والقوانين والعادات بطريقة جذابة وممتعة، مساعدة الأجيال الجديدة على فهم العالم من حولهم وبناء سلسلة مستمرة من المعرفة التقليدية.
ومن الجانب الديني، رغم الاعتقاد السائد بأن الوثنية كانت المسيطرة خلال الجاهلية، إلا أنه يمكن ملاحظة وجود عناصر دينية أخرى أكثر تقدمًا. هناك أدلة تشير إلى عقائد أحادية ربانية وحتى بوذية في مناطق مختلفة. كما نجد تأثيرات شرقية واضحة في معتقدات البعض، مثل عبادة النار والشمس وغيرهما.
وفي مجال القانون والنظام الاجتماعي، طورت قبائل الجزيرة العربية مجموعة من الأعراف والقواعد التي تحكم العلاقات الاجتماعية داخل القبيلة وخارجها. كانت العدالة مطلبا مهما، ويبدو أن تقبلوا مبدأ المساواة أمام القانون حتى لو لم تكن مكتوبة رسمياً.
ختاماً، فإن وصف فترة الجاهلية بأنها ظلمة ليس صحيحا تماماً؛ فقد كانت مليئة بالمبادرات الفكرية والثقافية الهامة والتي تركت بصماتها الواضحة على التاريخ العربي والإسلامي لاحقا.