تعدّ ظاهرة التسول إحدى القضايا الاجتماعية المعقدة التي تواجه العديد من الدول حول العالم بما فيها المملكة المغربية. هذه الظاهرة ليست مجرد مشهد يومي يعكس الفقر فقط، بل هي مؤشر على مجموعة معقدة من العوامل الاقتصادية، الاجتماعية، النفسية وحتى السياسية. ينبغي النظر إلى التسول ليس كمشكلة فردية شخصية للمتسولين، ولكن كمظهر لأزمة نظامية تحتاج إلى تدخلات متعددة الجوانب للحل الشامل.
في المغرب، يمكن القول بأن التسول يأخذ أشكالاً مختلفة حسب المناطق والمواقف الثقافية المحلية. هناك أولئك الذين يعتمدون عليه بشكل رئيسي بسبب عدم وجود فرص عمل منتظمة، بينما البعض الآخر قد يجد فيه طريقة لسد احتياجات عاجلة نتيجة لتدني مستوى الدخل أو فقدان المصدر الرئيسي للدخل. بالإضافة إلى ذلك، يلجأ بعض الأطفال والشباب للعمل خارج نطاق العمل الرسمي تحت ضغط البطالة المرتفعة وتراجع الفرص التعليمية والمهنية.
من بين الأسباب الرئيسية انتشار هذا النوع من السلوك الاجتماعي ما يلي:
- الفقر: رغم جهود الحكومة المتكررة لمحاربة الفقر وتحسين المستوى الاقتصادي العام للسكان، فإن معدلات الفقر ظللت مرتفعة خاصة في المناطق الريفية الفقيرة والجبلية النائية.
- البطالة: ارتفاع معدلات البطالة خاصة بين الشباب يدفع الكثير منهم نحو البحث عن وسائل بديلة لكسب الرزق حتى لو كانت غير قانونية أو غير مستقرة مثل التسول.
- الافتقار للتعليم والتوعية: غياب برامج فعالة للتوعية بخطورة وعواقب التسول وعدم الوصول إلى تعليم جيد يؤدي إلى زيادة احتمال الانخراط في ممارسات غير صحية اجتماعياً واقتصادياً.
- العقبات البيروقراطية: التعامل مع المؤسسات الحكومية الرسمية قد يشكل تحدياً بالنسبة للأسر الأكثر فقراً مما يجعلهم أكثر عرضة للاستجابة لفرص سريعة وكاذبة مثل تلك المقدمة عبر التسول.
- التأثير السياحي: مناطق السياحة النشطة تعد وجهة جذابة لهؤلاء الأشخاص نظرا لكميات كبيرة من الزوار المنتظرين بالمال والسندات الغذائية وغيرها من المساعدات المالية المؤقتة والتي تعتبر مصدر دخل ثابت نسبياً لهم مقارنة بالحياة اليومية الصعبة.
بالنظر لهذه الحقائق والمعوقات، فإنه واضحٌ أنه يجب تنفيذ استراتيجيات شاملة ومتكاملة للقضاء على التسول في المغرب مستقبلاً. هذه الاستراتيجيات تشمل تحسين السياسات الاقتصادية الوطنية، وتعزيز البرامج التعليمية والثقافية، واستحداث مشاريع تنمية محلية توفر فرص عمل دائمة ومستدامة لمن هم بحاجة إليها. كما يجب أيضا دعم إنشاء بنى تحتية صحية واجتماعية قوية قادرة على مواجهة تحديات عدم المساواة المجتمعي. أخيرا وليس آخرا، يجب وضع قوانين حازمة لحماية حقوق جميع الأفراد ومنع أي شكل من أشكال الاستغلال سواء كان اقتصاديًا أم اجتماعيًا ضد الضعفاء والأطفال والعاطلين عن العمل وأصحاب الحالات الخاصة الأخرى. كل ذلك سيؤدي لتحقيق مجتمع أكثر عدلا وامانا لكل أفراده بغض النظر عن ظروفهم الشخصية المختلفة.