التنمر المدرسي ليس مجرد سلوك مؤذي للأطفال؛ إنه قضية معقدة لها جذور عميقة تحتاج إلى تحليل دقيق لفهمها بشكل صحيح واتخاذ الخطوات اللازمة للقضاء عليها. تتعدد الأسباب وراء هذا الظاهرة المقلقة التي تهدد كرامة الطلاب وبنيتهم النفسية والاجتماعية. سنستعرض هنا بعض العوامل الرئيسية المؤثرة والتي تشكل أرضاً خصبة لتكاثر هذه التصرفات المسيئة داخل بيئة التعلم.
الانفراد والنقص الاجتماعي
يمكن اعتبار الشعور بالانفراد أحد أكثر الدوافع شيوعاً للتنمر بين الزملاء. غالباً ما يلجأ الطالب المنعزل اجتماعياً إلى إيذاء الآخرين لإيجاد مكان له وسط مجموعاتهم والتأكيد على وجوده بطريقة غير صحية. قد يشعر هؤلاء الأطفال بأنهم أقل قدرة أو لفت نظر مما يجعلهم مستهدفين بدورهم وقد يدفع ذلك البعض منهم لاستخدام قوتهم الجسدية أو نفوذهم النفسي لتحقيق شعور زائف بالحماية الذاتية والمكانة الاجتماعية.
العنف الواقعي والافتراضي
لا ترتبط أشكال التنمر فقط بالعلاقات الشخصية المباشرة ولكن أيضاً يمكن أن تمتد عبر الفضاء الرقمي. الإنترنت وسيلة فعالة للتحرش الإلكتروني وهو شكل خطير ومتزايد من التنمر يستغل خصوصية وسائل التواصل الاجتماعي لإلحاق الضرر بالأطفال خارج نطاق المدارس الرسمية. يحظى المتنمرون بالسرية أثناء تعرضهم للضحايا الذين يعانون عادةً بمفردهم نتيجة الخوف من الانتقام وردود فعل المجتمع المحصور حولهما.
ضعف القيم الأخلاقية والمعايير الإنسانية
في كثير من الحالات، ينشأ مفهوم القوة والسادية لدى مرتكبى الأعمال العنيفة ضد زملائهم بناءً على عدم فهم جوهر الاحترام والحساسية تجاه مشاعر الآخرين. تربط الثقافة الشعبية أحياناً الاعتداء البدني والعاطفي بالقوة والشجاعة، بينما تعتبر تلك الخصائص ضرورية للقائد سواء كان قائداً حقيقياً أم خيالياً كما يُظهر أفلام الرسوم المتحركة والروايات الشهيرة. بالتالي، تنمو تصورات خاطئة حول ماهيتها وأثارها المدمرة تدريجياً حتى يتم تبنيها كممارسات مقبولة داخل النسيج الاجتماعي للمدرسة نفسها.
محدودية التعليم الصحي
تساهم المنهجيات التربوية التقليدية للحفاظ على النظام والصمت أثناء الفصل الدراسي بالإضافة لعجز المؤسسات الأكاديمية عن مواجهة حالات الإساءة مباشرةً -حتى لو كانت معروفة- فى فقدان ثقتهم بالنظام نفسه وإضعاف قدرتها على التشجيع والإرشاد المناسب لما بعد مرحلة البلوغ المبكر. وهذا يقود الطفل نحو الاعتماد السلبي واستمرار اضطرار دعم نفسه بإحداث تأثير سلبي آخر عوض البحث عن حلول إيجابية للتفاعلات المستقبلية.
إن إدراك أبعاد المشكلة بكامل تعقيداتها مهم للغاية لمحاولة تخفيف حدتها ومنع تفشيها بصورة أكبر. إن نهوض مجتمع مدرسي آمن يحتاج لشراكة فاعلة بين أولياء الأمور والمدرسين المسؤولين وصناع القرار الحكوميين وكذلك المساهمون الرئيسيون في عملية تكوين شخصية الشباب الواعدة وهم مثقفون ومؤلفون ورواة قصص موجه وجهة نظرائهم الصغيرة والكبيرة طوال الوقت! باتباع نموذج شامل شامل لكل جوانبه، فإن هناك فرصة واقعية لبزوغ مدارس خالية تماماً من أعمال التخويف والاستهداف الشخصي تحت ستار "مطاردة" مزعومة لحقيقة كون الجميع متساوٍ أمام القانون والأمانة والسعادة بلا استثناء!!!