ولد الشيخ الإمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام الناصري المالكي المعروف بشهاب الدين القرافي حوالي عام 624 هـ/1227 م في قرية "قرافات" بالقرب من مدينة فاس بالمغرب الأقصى. يُعتبر القرافي أحد أهم علماء القانون والفقه الذين أثروا المكتبة الإسلامية بتراث غني ومتنوع.
تلقَّى تعليمه المبكر في مسقط رأسه قبل أن ينتقل إلى مدينة مراكش لاستكمال دراسته تحت إشراف أشهر العلماء آنذاك. اشتهر القرافي بفطنته وحسن فهمه للعلوم الشرعية منذ سن مبكرة، مما أهَّله لممارسة التدريس والإفتاء وهو لا يزال في بداية الثلاثينات من عمره. أصبح مرجعًا ومحل احترام بين طلابه وزملائه لدرجة أنه لُقب بـ "إمام الفقهاء".
لم يقتصر تأثير القرافي على التدريس فقط؛ حيث ترك مجموعة كبيرة من المؤلفات التي تعد اليوم مراجع أساسية لدى المحاضرين والمدرسين المتخصصين في القانون المدني والشرعي. ومن أبرز مؤلفاته كتاب "الفروق"، والذي يعد من أكثر كتب علم الأصول شهرة، بالإضافة إلى مجموعتين كبيرتين من الفتاوى والمعاجم اللسانية. كما ألف شرحا متميزا لمسائل مختارة من كتاب "الشرح الكبير" للإمام ابن العربي المالكي.
بخلاف معرفته الواسعة بالفقه والقانون، كان للقرافي نظرة ثاقبة للأدب والتاريخ والفلسفة العربية الإسلامية القديمة. كانت له اهتماماته الخاصة حول أسرار اللغة العربية وآدابها، مثلما تبنَّى منهجاً خاصاً لديه تجاه تاريخ العرب وعاداتهم وتقاليدهم.
توفي العالم الجليل شهاب الدين القرافي سنة 684 هجري الموافق لسنة 1285 ميلادية بعد حياة مليئة بالإنجازات العلمية والعمران الثقافي والحضاري للعالم الإسلامي. وقد خلف تراثاً قيماً ما زالت معظم المدارس الدينية المعتمدة على المذهب المالكي تستند إليه حتى يومنا هذا كأحد الأعمدة الرئيسية للحفاظ على الهوية الإسلامية وتحقيق الوحدة داخل المجتمع المسلم عبر العالم.