ولد الإمام مالك بن أنس رحمه الله في المدينة المنورة عام 93 هـ، في بيئة علمية غنية، حيث نشأ في بيت اشتغل بعلم الأثر، وتلقى العلم عن كبار التابعين والعلماء في عصره. كان لبيئته تأثير كبير في تشكيل فكره وفقهه، حيث رأى آثار الصحابة والتابعين، وسمع حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم.
كان الإمام مالك شديد التعظيم لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يجل العلم ويعتني بطعامه وشرابه ولباسه. كان ذا هيبة كبيرة، قوي الحافظة، وإذا شك في حديث تركه. من أبرز شيوخه ابن هرمز، الذي أخذ عنه اختلاف الناس والرد على أهل الأهواء، ونافعا مولى ابن عمر، الذي كان يلازمه ويستفيد منه. كما أخذ عن الإمام ابن شهاب الزهري، الذي روى عنه أحاديث كثيرة.
كان الإمام مالك مجتهدا في طلب العلم، حيث حفظ القرآن الكريم في صدر حياته، ثم اتجه إلى حفظ الحديث. كان شديد الحرص على العلم، حتى أنه عندما أرادت أمه أن يذهب لطلب العلم، ألبسته أحسن الثياب وعممتها، وقالت له: "اذهب فاكتب الآن". كان الإمام مالك من أوعية العلم، حيث روى عن النبي صلى الله عليه وسلم ألفين ومئتين وستة وثمانين حديثا.
كان للإمام مالك دور بارز في نشر العلم وتأليف الكتب. من أشهر كتبه "الموطأ"، الذي جمع فيه أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وأقوال الصحابة والتابعين. كما ألف كتاب "الرد على القدرية"، الذي رد فيه على معتقدات القدرية.
توفي الإمام مالك رحمه الله في المدينة المنورة عام 179 هـ، ودفن بالبقيع بجوار إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم. ترك الإمام مالك إرثا علميا كبيرا، حيث أسس المذهب المالكي الذي يعتبر واحدا من المذاهب الأربعة الرئيسية في الفقه الإسلامي.