اختلف العلماء في تحديد وقت وجوب الحج، فذهب جمهور الفقهاء إلى أنه واجب على الفور، بينما رأى بعضهم أنه واجب على التراخي. يعتمد هذا الاختلاف على تفسير الأدلة الشرعية المتعلقة بالحج.
يُعتبر الحج أحد أركان الإسلام الخمسة، ووجوبه ثابت بالقرآن الكريم والسنة النبوية. يقول الله تعالى في سورة آل عمران: "وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا" (آل عمران: 97). هذا النص يشير إلى وجوب الحج على كل مسلم قادر عليه.
من الأدلة التي استند إليها القائلون بوجوب الحج على الفور حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "من أراد الحج فليتعجل"، رواه أحمد وفيه ضعف. كما استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: "تعجلوا الحج فإن أحدكم لا يدري ما يعرض له"، رواه أحمد والبيهقي. هذه الأحاديث تشير إلى الترغيب في المبادرة بالحج، مما يدعم فكرة وجوبه على الفور.
ومن جهة أخرى، استند القائلون بوجوب الحج على التراخي إلى أن الحج فرض في السنة الثالثة أو السادسة من الهجرة، ولم يحج النبي صلى الله عليه وسلم إلا في السنة العاشرة. كما استدلوا بحديث ضمام بن ثعلبة السعدي الذي قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وسأله عن الإسلام، فذكر فيه الحج، وكان قدومه في السنة الخامسة أو السابعة أو التاسعة.
رد القائلون بوجوب الحج على الفور على هذه الأدلة بأنها تحتمل الترغيب في المبادرة وليس تحريم التأخير. كما أشاروا إلى أن الأمن لم يتوافر للرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابه بعد صلح الحديبية إلا في السنة العاشرة، مما أدى إلى تأجيل الحج في السنوات السابقة.
في النهاية، يمكن القول إن القول بوجوب الحج على الفور هو الأوضح والأقرب إلى الأصل الشرعي، وهو المبادرة بالواجبات عند القدرة عليها. ومع ذلك، فإن القول بوجوب الحج على التراخي له أدلته أيضًا، ويترك الأمر في النهاية لتقدير كل فرد وحرية اختياره.