الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. يعتبر مصطلح "الحديث المتواتر" أحد أهم مفاهيم علم الحديث النبوي لدى المسلمين. يعود هذا النوع من الأحاديث إلى مجموعة كبيرة من الرواة الذين يستحال عليهم الاتفاق على الكذب فيما يتعلق بجملة واردة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. تتطلب هذه الجملة أيضًا سنداً واضحاً وإشارة مباشرة للإدراك الحسي للحدث أو المعلومة.
في التفصيل، يتميز الحديث المتواتر بعدة سمات أساسية: أولاً، ينبغي أن رواه عد كبير من الأشخاص المستبعد أن يتوافقوا ويتآمرون على قول باطل. ثانياً، يشير السند إلى مصدر مباشر مثل "سمعت"، "رأيت"، "لمست". ثالثاً، يُفترض وجود شرط معين لعدد هؤلاء الراويين في كل مستوى من مستويات السلسلة الوراثية للأخبار، ولكن هناك اختلاف بين الفقهاء حول الحد الدقيق لذلك العدد. إذا لم يكن هذا الشرط متحققاً، فإن الحديث يصنف عادة كنادر أو شاذ أو نادر للغاية.
من أمثلة الأحاديث المتواترة التي هي معروفة جيدا في الإسلام هي تلك المتعلقة برؤية النبي يوم القيامة وحوضه وشفاعته ورفع اليدين أثناء الصلاة والمسح على الخفين. قام العديد من العلماء بتجميع ودراسة هذه الأحاديث، وأكثر الأعمال شهرة هي كتاب "الأزهار المتناثرة في الأخبار المتواترة" لسراج الدين البلقيني وسراج الدين أبو الحسن الرملي. كما كتب ابن القطان "نظم المتناثر في الحديث المتواتر".
يمكن تقسيم الحديث المتواتر بناءً على طبيعة نقل الفكرة نفسها إلى نوعين رئيسيين:
- الحديث المتواتر اللفظي: هنا يتم تناقل الخطاب بالألفاظ والعبارات بنفس الطريقة تمامًا والتي قال بها النبي صلوات الله عليه. مثاله الشهير عبارة "(مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّداً، فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ)."
- الحديث المتواتر المعنوي: يركز هذا النوع على جوهر الفكرة وليس النص نفسه. وهو يحدث عندما تقوم مجموعات سكانية بكثير بالحفاظ ونشر تفاصيل متكررة عبر حالات متنوعة مرتبطة بمبدأ واحد بشكل عام رغم عدم وجود تسلسل حرفي ثابت لنقل النص الأصلي للنبي -صلى الله عليه وسلم-. مثال بارز لهذا الخصوصيات هو أحاديث رفع اليدين خلال الدعاء، حيث يوجد حوالي ١٠٠ حادثة موثوق فيها تشهد بذلك بينما تتضمن مواقف فريدة كثيرة إلا أنه يجتمع عليها كونها جزء من قاعدة دينية واحدة وهي رفع اليدين عند الاستغاثة والتضرع لصاحب الملكوت سبحانه وتعالى.
وفي ختام الأمر، يعد فهم تفاصيل البحث العلمي حول الحديث المتواتر خطوة مهمة نحو تحقيق معرفة أعمق واتباع صحيح لتعاليم دين الإسلام السمحاء وفق سنة رسول الرحمة نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وآله وسلم.