تعد قصة ماء زمزم جزءاً أساسياً من التاريخ الإسلامي، وهي مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بمبنى الكعبة المشرفة وببيت الله الحرام نفسه. هذا الماء له مكانة خاصة ليس فقط بسبب قيمته كمصدر للشراب الحيوي للسائحين والمعتمرين والزوار الذين يأتون إلى زيارة المسجد الحرام، بل أيضاً لخصائصه المعجزات المرتبطة بها حسب الاعتقاد الإسلامي. ويعتبر التضلع بماء زمزم، وهو مصطلح يشير إلى الاستهلاك بكثرة لمياه زمزم، عملاً مستحباً دينياً بناءً على أحاديث النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
يشجع العديد من علماء الدين المسلمين على تناوُل هذا الماء المبارك وأحيانًا يحثون على التضلع منه، وذلك استنادًا إلى حديث نبوي صحيح رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ماء زمزم لما شُرِب له". ومعناه أنه إذا كانت نيَّتْ الشخص واضحة أثناء تناول الماء، فإن رضا الله سيحققه بغض النظر عما هي تلك الرغبة أو النية.
ويرجِّع الباحثون الفضل في هذه الفضيلة إلى أعمال الصحابي جبريل عليه السلام التي تضمنت خلق مياه زمزم لأول مرة خارج الكعبة المقدسة. وقد ثبت تاريخيًا وجود عين زمزم بهذا الموقع الموحد منذ بداية بناء الكعبة نفسها قبل حوالي ألفي عام. ويوصف هذا المصدر بأنه غير قابل للإختناق ولا ينضب أبدا مهما بلغ الانفاق فيه مما يؤكد قدرة إلهية واضحة خلف ظاهرة فريدة كهذه.
وبينما يُجادَل حول الحكم القانوني لاستخدام ماء زمزم للوضوء في مسائل طقوسية دينية معينة مثل غسيل الموتى والاستجمار وما شابههما، إلا أن هناك توافق واسع بين معظم الفقهاء بأن استخدام ماء زمزم للنظافة الشخصية أو لغرض الطب هو جائزة بشكل مطلق نظرًا لفوائده الصحية المتنوعة والتي تشمل تعزيز الصحة العامة للجسم، تقليل الشعور بالإرهاق وتعزيز وظائف الجهاز المناعي. بالإضافة لذلك، قد يساعد أيضًا في تحسين الهضم وحماية القلب وصحة الجلد والمفاصل والعظام والعلاج الغذائي للأطفال خلال الأشهر الأولى بعد الولادة وكذلك مرحلة الحمل أيضا.
ومن منظور ثقافي وروحي، تعتبر ماء زمزم رمزاً للتأمل الروحي واحتراماً للعادات القديمة والثوابت الثقافية المنبعثة من بيت الله الحرام. فهي ليست مجرد مصدر ماء عادي ولكنها تمثل تجربة روحانية وتاريخية بارزة داخل قلب المكان الأكثر قدسية بالنسبة للمسلمين. إنها دعوة لتذكير المؤمن بالاعتماد التام على رحمة الله وكرمه فيما يتعلق بحاجاته الإنسانية اليومية بما فيها الأمنة الضرورية للحياة حتى وإن بدت صغيرة وغير ملفتة للانتباه بالسطحيات الاجتماعية والقوانين الوضعية للدولة الحديثة . إن التعامل بمودة واحترام لهذه التحف المقدسة يعد وسيلة فعالة لتحقيق السلام الداخلي والشعور بالقرب الخالص لله عز وجل والذي يعلو فوق كل الآلام والجراحات وكل خيبات الأمل الدنيا الزائلة.