كانت لسورة الحشر مكانة خاصة في تاريخ الإسلام المبكر، حيث تناولت أحد الوقائع الهامة في حياة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. وتحديدًا، كانت الآية الخامسة "ما قطعتم من لينة" جزءاً أساسياً من سرد الأحداث المتعلقة بحصار وبني النضير.
بدأت قصة النزول بهذا الحدث العسكري الكبير الذي شهدته مدينة المدينة المنورة خلال فترة الهجرة الثانية للنبي الكريم. فقد قرر رسول الله صلى الله عليه وسلم تنفيذ قرار طرد قبيلة يهود بني النضير الذين خانوا عهد السلام المبرم مع المؤمنين مراراً. قبل بداية الحملات العسكرية، قام بعض الصحابة بتدمير بعض نخيل اليهود كجزء من الاستراتيجيات العسكرية المعتادة آنذاك.
على الرغم من عدم وجود دليل واضح حول الموافقة الرسمية للرسول لهذه الخطوة، إلا أن هناك رواية مشهورة تشير إلى موافقته غير المعلنة لها. يقول الإمام مسلم رحمه الله في كتابه الصحيح: "(عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه قال: قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخيل بني النضير فأخذ بعضها وأحرقه)". وهذا يدل على احتمال كون تصرف الصحابة تحت إطار توجيهات سرية ربما لم تكن موثقة كتابة لكن تم تنفيذها بشكل فعال.
ويعود شرح تفاصيل الآية نفسها إلى بيان غرض هذا العمل العسكري. تقول الآية الكريمة:"وَمَا قَطَعْتُمْ مِنْ لَيْنَةٍ فَبِإِذْنِ اللَّهِ". هنا، يشير مصطلح "اللّينة" إلى نوع خاص ومحدّد من النخل ذو ثمار لطيفة ونادرة. وقد أكد أهل العلم بأن سبب تحريم قطعه يرجع لدوره المهم كمصدر رزق أساسي لليهود أثناء الحصار. ومن الجدير بالذكر هنا أيضا التأثير النفسي والمعنوي لذلك التصرف، والذي كان هدفه خلق شعور بالضعف والاستسلام لدى جيوش العدو بينما يقابلونه بكل قوة وصلابة. كما يعد امتلاك الأرض والممتلكات رمزا للقوة والأمان بالنسبة لهم؛ مماجعل خسارة مثل هذه الغلات الغذائية المدروسة ضربة مؤلمة ومعنوياتية كبيرة لإرادتهم القتال ضد نصرة الحق والإسلام.
وفي نهاية المطاف، تقدم لنا هذه الواقعة درس عميق حول طبيعت المشاعر الإنسانية والتكتيكات السياسية الجارية عبر التاريخ البشري كافة بما في ذلك السياسة الإسلامية الرائدة والتي تعتمد بالفعل على العقيدة وليس المصالح الشخصية الضيقة عند التعامل مع الأمور المعقدة كهذه .