يأمرنا الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز بقوله: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم" (الحجرات: 12). هذه الآية الكريمة تهدف إلى تحذير المؤمنين من الوقوع في ظنون غير صحيحة قد تؤدي إلى الإثم.
يُفسر ابن كثير رحمه الله الظن المنهي عنه بالتهمة والتخون للناس في غير محله، مستشهدًا بقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "لا تظنن بكلمة خرجت من أخيك سوءا، وأنت تجد لها في الخير محملا". كما يذكر حديث ابن عمر رضي الله عنهما حيث قال: "رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف بالكعبة ويقول: ما أطيبك وأطيب ريحك، ما أعظمك وأعظم حرمتك، والذي نفس محمد بيده لحرمة المؤمن أعظم عند الله حرمة منك، ماله ودمه وأن يظن به إلا خيرا".
ويوضح الطبري في تفسيره أن المراد هنا التهمة التي لا سبب لها كما يتهم رجلا بالفاحشة من غير أن يظهر عليه ما يقتضيها. ويؤكد القرطبي أن الظنون التي يجب اجتنابها هي تلك التي لا تعرف لها أمارة صحيحة وسبب ظاهر، خاصة إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح.
ويشدد النووي في شرح مسلم على أن المراد بالنهي عن الظن هو ظن السوء، وأن المحرم من الظن ما يستمر صاحبه عليه ويستقر في قلبه دون ما يعرض في القلب ولا يستقر. ويذكر البخاري في صحيحه باب ما يكون من الظن إثم، مستشهدًا بحديث عائشة رضي الله عنها حيث قالت: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أظن فلانا وفلانا يعرفان من ديننا شيئا".
وبالتالي، فإن معنى الآية الكريمة هو تحذير المؤمنين من الوقوع في ظنون غير صحيحة قد تؤدي إلى الإثم، خاصة عندما يتعلق الأمر بتوجيه اتهامات لأهل الخير دون دليل واضح. ولا يرتبط الأمر بالقلة أو الكثرة، وإنما تمنع التهمة لأي مؤمن ظاهره الصلاح بغير بينة. والغلط في هذا لا يكفر صاحبه؛ إذ إن من أخطر الاتهامات للناس اتهامهم بالفاحشة وهو القذف المعروف، وهو كبيرة يحد صاحبها ولا توصله للكفر.