سورة قريش، وهي سورة مكية تتألف من أربع آيات فقط، تحمل في طياتها رسالة عميقة حول أهمية التقوى والإخلاص في العبادة وتقدير النعم الإلهية. تركز السورة بشكل خاص على قبيلة قريش، مشيرة إلى دورها المحوري في تاريخ مكة المكرمة وما منحها إياه الله عز وجل من نعم عظيمة.
"إيلاف" بين التفاسير والمعاني المختلفة
في بداية السورة، يستخدم مصطلح "إيلاف" والذي يحمل العديد من التعريفات حسب مختلف المفسرين. يمكن فهم كلمة "إيلاف" كمرادف للالتزام أو الألفة أو حتى التحضير والتجهيز. وتشير بعض الروايات التاريخية إلى أن نظام الإيلاف تم تقديمه بواسطة هاشم بن عبد مناف، حيث قام بتوقيع اتفاقيات حماية مع ملوك الدول الأخرى لمنح التجار من قريش طريق التجارة الآمنة والمزدهرة عبر طرق الشتاء والصيف.
العبادة الغرض الأسمى للإنسانية
ويركز الجزء الثاني من السورة على الغاية النهائية من وجود البشرية: العبادة الصافية لله الواحد القهار. كما تقول الآية: "فليعبدوا رب هذا البيت". وهذا التأكيد على ضرورة عبادة الله وحده بدون مشاركة غيره يعد جوهر العقيدة الإسلامية التي تؤكد وحدانية الله سبحانه وتعالى ونفيه عن جميع الصفات البشرية والنقائص.
نعم الله الجزيلة للأجيال العربية
وفي تناغم ملفت، تعرض سورة قريش عدداً محدوداً ولكنه غنيًّا للغاية من النعم الهائلة التي منحها الله للعرب قبيلة قريش خاصة وللعائلة الإنسانية عامةً. وتتمثل تلك النعم فيما يُطلق عليها اسم "الطعام والامن"، حيث يؤكد قوله تعالي:"ذي اطعمكم من جوع وأمنكم من خوف ". وقد جاء ذلك رداً علي دعوة أبي الأنبياء ابراهام عليه السلام عندما ترك زوجته وسيده محمد عليهم السلام بمكة أثناء رحلته الطويل نحو الأرض المقدسة . وهذه الدعوة بمثابة تكرار للتأكيد ورد فعل ضد ثقافة وثنية وثنية تلك الفترة الزمنية والتي قد تحولت فيها القبور ومحال أخرى الي مساحات للاعتقاد الديني بدلاً من كون أماكن دفن الموتى على أرض الواقع . إن عرض مثل هذه الحقائق يأتي كتذكير ضروري لكافة المسلمين بالتبرء مما يسمی بالإلحاد وذلك نتيجة إدراك قوة وكرم الرحمن جل وعلا تجاه مخلوقاته ومحبته لهم والذي يتمثل فى عطاياه المباركات وطرق رعايته لحماه ورعايتها له . فعندما يشعر المرء بالقصور فى حياته ، فإن النظر لهذه الوقائع المؤثرة سوف يقوده مباشرة إلي الشعوربالامتنان والثناء والإقرار بالموقف الهولي المبدئي بشأن أساس الحياة ذاتها ومعرفة مصدر البركة والكرم والخير الأعظم .
