تفسير آية إنني براء مما تعبدون: رحلة إبراهيم نحو التوحيد والصدق بالحقيقة

التعليقات · 3 مشاهدات

في هذه الآية البالغة الأهمية، يدشن النبي إبراهيم -عليه السلام- مرحلة جديدة في تاريخ البشرية عندما ينطق بوضوح برائته من كافة الأصنام والأوثان التي كانت

في هذه الآية البالغة الأهمية، يدشن النبي إبراهيم -عليه السلام- مرحلة جديدة في تاريخ البشرية عندما ينطق بوضوح برائته من كافة الأصنام والأوثان التي كانت تُعبد قبل ظهور الدين الإلهي. تلك اللحظة الفارقة تمثل الصدع الجريء ضد الزيف والقناعة الكاملة بتوحيد الله الواحد الأحد.

"إنني براء مما تعبدون"، عبارة تردد صداها عبر التاريخ، تجسد شجاعة إيمانية نادرة لدى رجل واحد فقط هو إبراهيم. فهو لم يكن براءًا من عبادة هؤلاء الضلالات وحدها، ولكنه أيضًا برىءٌ ممن عبدوها وما هم فيه من غي وظلام. هذا التحرر الروحي الصارم يشير إلى أنه ليس مجرد تغيير لسلوكيات خارجية بل تحول جذري عميق داخل النفس الإنسانية نفسها؛ إذ بات قلب إبراهيم يخفق بحب خالص وخوف صادق من الرب القدير.

انسحب هذا الانقطاع المرتبط بالعقائد والخرافات القديمة ليصبح نموذجاً يحتذى به لكل مؤمن صادق الحقائق الدينية الحقيقية فيما بعد. لقد وضع إبراهيم نفسه مثالاً للسالكين طريق التقوى والمعرفة الحقّة، مستفهماً طبيعة هذا الكون وسائر مخلوقات الله سبحانه وتعالى حتى وصل إلى اليقين الثابت بأنه لا وجود للإله حق سوى الله خالق الأكوان.

ومن هنا جاء دعوته الملحة للناس جميعاً لتتبع خطاه والاستقامة على درب التوحيد الصحيح. فقد أصبح واضحاً الآن أن الإيمان بدون التخلص نهائيًا من الشرك وشركائه يظل ناقصاً وغير مقبول شرعاً. أما الطريقة الوحيدة للحصول على رضوان الله ومعرفته فهي التفريق بين عباده وبين لعباده الآخرين الذين صنعاهم وهم بنيان بهم وبغيرهم. وهكذا سعى إبراهيم لتحرير النفوس المُستضعفة من كهنة وثنية الوثنيين جهارا نهارا، مدافعاً بشدة عن عقيدة واحدة واضحة المعالم وهي التوحيد المطلق لله جل وعلا.

وفي نهاية الأمر تأتي نقطة رئيسية مفادها ثبات علم ابراهيم بثبوت ملكوت ملك الربوبية والسعادة الأخروية ليست من نصيب أولئك الذين يقصرون طاعتهم حول مجموعة ضيقة محددة ضمن طوائف مقدسة متعددة الاتجاهات حسب معتقداتها المحلية المختلفة وإنما لمن تبقى قلوبهم نقية نقاء الشمس مشتعلة بإشراق نور معرفة حق قدرة ذات الملك الأعلى النافع النافع المبجل المنتقم المنتقم المصفو. إنه الرحمة الرحماء الرحيم الرحيم الرحؤوم الرحؤوم الرحمؤمين...

التعليقات