وسّمتْ الأيام اسمَ عمرَ بن عبد العزيز بحروفٍ مضيئة، فهو أحد أبرز الشخصيات التي تركت بصمتها الواضحة في تاريخ الإسلام عبر إدارة رشيدة وعدل شامل. رغم قصر مدة خلافته مقارنةً بمن سبقه، إلّا أنها عرفت باعتبارها إحدى أهم الفترات الزمنية في تلك الحقبة. لقد اكتسب تقديره واحترامه بدرجة جعلته يُلقَّب بخليفة راشد خامسا بعد أربعة خلفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي رضوان الله عليهم جميعا.
إن أكثر ما ميّز عمر بن عبد العزيز هي صفاته الإنسانية والنابعة من إيمان عميق وغرس عميق بالأخلاق الإسلامية. كان يخافه من الله عز وجل مما دفعه للتأمل والتدبر في حال المستضعفين من المسلمين، مبتغياً رضا الرب وحفظ حقوق خلقه. وفي ندوة مع زوجته، كشف لها مرآة قلبه قائلاً "لقد حملت مسؤولية هذه الأمة، وشغل تفكيري المسكين الفقير، والجائع المرضى والعاري المكدود، بالإضافة للأيتام المكافحين وكذا النساء الأرامل المنفردات وغيرهن الذين يعانون الظلم." ثم بكى لما ستكون حصيلة حسابه أمام النبي محمد صلى الله عليه وسلم طالبا الغفران منه سبحانه وتعالى.
كما اتسم بتعلقه الشديد بتعاليم الدين الاسلامي المبنية أساساً على الكتاب والسنة المحمدية المطهرة، مستخدماً مجلس الخطابة لإعلان نيته لاتباع نهجهما بدقة وطاعة مطلقة. ازداد حسه التعبدي عندما قرر عدم الانصياع للعادات الاجتماعية التقليدية بل توجيه فريقه الحكومي نحو ترسيخ القيم الدينية والأخلاقية. ولم يغفل جانب التعليم والحكمة؛ إذ طلب موافقة أبيه سمحة كي يحصل على فرص التدريس والاستفادة من علماء عصره داخل مدينة الرسول الكريم وفق توصيته بأن تصقل معرفته وتزيد ثقافته لتساعده لاحقا بإدارته للحكم بشكل مثالي حسب رؤيته الخاصة.
ومن الناحية العملية، برز قدرته الاستثنائية على فرض القانون بالتزامن مع تأكيده على تطبيق العقوبات المناسبة لمن يقصرون سواء كانوا موظفين حكوميين أم آخرين مهما بلغ عددهم, وسط حرصه البالغ على سلامة موارد الدولة واستخداماتها فقط لتحقيق مصالح البشرية جمعاء تحت مظلة الاقتصاد المدروس ومنع المصروفات غير الضرورية.
وتوفي رحمه الله تعالى مبكرا جدا، تاركا وراءه ذكرى خالدة لأعمال حسنة تمت خلال ثمانية عشر شهرا قضاها خليفة للمؤمنين قبل انتقاله لجواره الطاهر عام مائة وأحد للهجرة الموافق لسادس شهر شباط سنة اثنين وسبعين ميلادية.