في سيرة سيدنا يوسف -عليه السلام- نجد درساً عميقاً في الصبر والتواضع والإيمان. قصة حياته، كما رواها القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، هي شهادة حية على قدرة الله عز وجل وتدبيره لكل الأمور. منذ ولادته وحتى بلوغه مرحلة النبوة، كانت حياة يوسف مليئة بالتحديات والمصائب التي تحولت إلى فرص للنمو الروحي والنضوج الأخلاقي.
ولد يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الخليل عليهم جميعًا السلام، وكان يحظى بحب أبيه بشكل خاص. هذا الحب الزائد جعله هدفًا لغيرة إخوته الذين خططوا للتخلص منه عبر دفعه في غياهب البئر. ومع ذلك، لم يكن مصير يوسف مقدرًا له إلا الخير؛ فباعوه كعبد لأهل مصر، وهناك بدأ مسار حياته الجديدة.
التقى يوسف مع امرأة العزيز التي حاولت الاستفادة من الجمال المقترن بالقوة الجسدية لدى الرجل الشاب حديث القدوم. لكن فضيلة يوسف ومقاومة الشهوات جعلتها تنسب إليه ما فعله هو تمامًا عكس ذلك. نتيجة لهذه القصة المؤلمة، ظل يوسف محبوسًا داخل السجن لفترة طويلة حتى جاء يوم دعت فيه الملكة زوجة العزيز نفوس القدرة على تأويل الرؤى لتفسير رؤيتها الغامضة حول سبعة أبقار عجاف تغزو ثمانية أخرى سمينة. عرف يوسف الحقيقة وأوضح لها أنها ستكون بداية مجاعة كبيرة تلتها سنوات خصبة. بناءً على ردوده الدقيقة تلك، انتقل يوسف ليصبح رئيس القضاة ورجل الدولة القوي الثاني فقط بعد الفراعنة ذاته.
لم ينسَ يوسف نخوته وعلاقته العائلية رغم كل الظروف الصعبة التي مر بها. عندما بدأت المجاعة تلتهم البلاد، بحث أخوه بني إسرائيل عنه ليساعدهم ويتذكرون بركات آبائهم الأقدمين. هنا ظهرت مكارم الأخلاق عند يوسف حين سامح الجميع ولم يستخدم سلطانه لإلحاق التعاسة بهم بل استوعبهم بكل حب واحترام وكرم الضيافة الإسلامية المعروفة جيدًا بين المسلمين اليوم أيضًا.
بهذه الطريقة تعلمنا قصة النبي يوسف أهمية التحلي بالأخلاق الحميدة مثل الصبر والثقة في تدبير الله وحسن التصرف أمام المحن بالإضافة إلى قوة الإيمان وتمسك الأفراد بتعاليم دينهم مهما اختلفت البيئات والأحوال المحيطة بهم. إنها حقًا "رحلة" تستحق التأمل والاستيعاب!