تتجلّى عظمة الخالق عز وجل في خلق السماوات العُليا بكل ما فيها من عجائب ومعجزات تحدثنا عنها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية الشريفة. إن دراسة كوكب الأرض وسمائه تكشف لنا جوانب رائعة من قدرته سبحانه وتعالى التي تؤكد وحدانيته وصفاته الجليلة. ففي هذا الفضاء الواسع المترامي الأطراف نرى دلائل واضحة تشهد بأن خالق هذه المخلوقات واحد أحد له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير.
في سورة الأنعام يقول الحق تبارك وتعالى "أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا" [الأنعام:96]. هنا يكشف الله لعباده عن حقيقة وجودهما قبل خلقهما، مترابطتين رتقا ثم فرق بينهما لتكونا بهذا هيئتهما التي نعرفها اليوم. وفي ذلك إشارة إلى قوة القدرة الإلهية وعظمتها. كما يشير قوله تعالى في سورة النازعات "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى" [النازعات:29] إلى تنظيم وضبط دورات الليل والنهار والشمس والقمر بشكل مثالي ودقيق يؤكد حكمته سبحانه وتقديره الأمثل لكل الأشياء.
كما أكدت السنة النبوية أيضًا على غنى الكون بالمعجزات الدالة على تفرد الرب جل وعلا. روى البخاري عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لله مائة رحمة، أنزل في الأرض منها واحدة، فبها يتراحمون بينهم وبها ترحم الدابة على ولدها فتتعاطف بها حتى لو أرادتم أن تنصفوها لتناصفوا، وأمسك تسعا وتسعين»[رواه البخاري]. ويصور النبي الكريم رحمه الرحيم كيف يخلق الحياة في جميع مخلوقاته بكرم ولا محدود. وهذا يدفعنا للتفكر والتأمّل فيما حولنا والاستسلام لرب العالمين مستشعرين عظمت ذاته وصفاته القدسية.
وبهذه المعاني والإشارات نتضح مدى اتساع ملكوت رب العالمين واتساق نظام الكون بدقة مذهلة، مما يعكس شمول علمه وحكمته وقدرته بلا مقارنة مع أي مخلوق آخر لعلمه الغيب والخفيات الموجودة في سماواته وأراضيه. إنها دعوة للتوافق مع قوانينه واستخدام نعمه بخدمة عبادة الرحمن ومحبته حق المحبة المؤدية لسعادة الدنيا والآخرة بإذنه تعالي.